بران برس:
تحدثت دراسة بحثية حديثة عن خمسة سيناريوهات مستقبلية للتصعيد الاقتصادي الدائر حاليًا بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا من جهة، وجماعة الحوثي المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب من جهة أخرى.
وتناولت الدراسة التي أجراها “مركز المخا للدراسات الاستراتيجية“، اطلع عليها “بران برس”، طبيعة القرارات التي اتخذها البنك المركزي اليمني، والقرارات التي أصدرها الحوثيّون، والعوامل التي أدت إلى التصعيد في الملفّ الاقتصادي والمالي على وجه الخصوص.
وعن حيثيات التصعيد والمواقف المحلية والدولية، اعتبرت الدراسة قرار الحوثيّين بصكّ العملة المعدنية فئة (100) ريال يمني “الشرارة التي أشعلت فتيل التصعيد الأخير، خاصة بعد انتهاء أزمة توقيف البنوك بسبب الشبكة الموحدة، وهو ما أثار ردة فعل حاسمة من قبل البنك المركزي في عدن، تمثل بإعلان قرار نقل البنوك واستبدال الأوراق النقدية القديمة”.
وأوردت الدراسة شقّين لتداعيات القرارات والسيناريوهات المتوقعة للتصعيد تتمثل في سحب العملة، والثاني بنقل إدارات البنوك.
وفي الشق الأول، أشارت الدراسة إلى احتمالية إصدار البنك المركزي قرارًا يقضي بإلغاء التعامل بالأوراق النقدية الصادرة قبل 2016م، بعد انتهاء المهلة المحددة بشهرين، وبالتالي عدم قبول تداولها أو تخزينها من قبل المؤسسات المالية المختلفة والأفراد.
وأشارت إلى أن هذا القرار “لا يعني التخلّص من العملة شمالًا، حيث ستبقى مطروحة للتداول استنادًا إلى قوة الحوثيين“، ومع ذلك توقعت الدارسة “اشتداد أزمة السيولة، خاصة في حال تشديد الإجراءات على الحوالات الخارجية إلى مناطق سيطرة الحوثيين”.
ولفتت إلى أن القرار “سيدفع المواطنين، وبعض رؤوس الأموال، وحتى الصرافين والبنوك، للتخلّص من جزء من مخزونهم العملة القديمة، رغم تعرّض جزء كبير منها للتلف، في إطار التحوّط المستقبلي والتوجّه لشراء الذهب والعملات الأجنبية والأصول غير النقدية، وهذا قد يزيد حجم السيولة ابتداءً، لكنه سيؤثّر على سعر الصرف”.
ورغم فشل قرار الحوثيين في احتواء مشكلة السيولة بسكّ العملة المعدنية إلا أن اشتداد أزمة السيولة قد يدفعهم، وفق الدراسة، “لاتّخاذ إجراءات مماثلة لفئات مختلفة، لا سيما وأن سك العملة يحقّق للحوثيين مصدر دخل إضافي وسهل“.
وترى الدراسة، أنه “ليس بيد الحوثيين الكثير من الإجراءات لمواجهة شحة العملات الصعبة في حال فرض البنك المزيد من القرارات فيما يخصّ الحوالات الخارجية والبنوك”.
وفيما يخصّ نقل مراكز البنوك الرئيسة وإدارات عملياتها إلى عدن، أشارت الدراسة إلى أن “القرارات المتضادة، الصادرة من البنك المركزي ومن سلطات الحوثيين، ستقود إلى فصل البنوك بشكل شبه كامل”.
وعن السيناريوهات المتوقعة لمآلات هذا التصعيد، أشارت الدراسة في السيناريو الأول إلى “بقاء الأمور كما هي عليه الآن“، أي عدم مقدرة البنوك على نقل مراكزها إلى عدن، وهذا “قد يعرّضها للعزلة، ولعقوبات أكثر صرامة“.
واستبعدت الدراسة هذا السيناريو “إلا في حال كان جزءًا من تسوية وتفاهمات مشتركة جديدة“. وبكلّ الأحوال، تقول الدراسة، إن “التسوية الشاملة لن تنتج وضعًا مثاليا لعودة الدولة ومؤسساتها، خاصة مع بقاء القوة العسكرية بيد الحوثيين، ولكن يمكن أن تقدّم نقاط تفاهم مشتركة ومقبولة قائمة على المرجعيات“.
وتمثّل السيناريو الثاني في “فصل الإدارات الرئيسة للبنوك وأنظمة الرقابة والمحاسبة، مع وجود احتمالية لبقاء المؤسسة بشكل واحد صوريًا، وسوف يشترط البنك المركزي وصول البيانات حول عمليات البنوك المشتركة إلى فروعها في مناطق سيطرة الحوثيين أيضًا.
ومن شأن هذا السيناريو، وفق الدارسة البحثية، أن “يقود إلى عزلة للبنوك في صنعاء، وأن تحول أنشطتها وفعالياتها مع العالم الخارجي إلى الإدارة الرئيسة أو الإقليمية في عدن”.
وهنا “ستتعرض البنوك لخسائر ومشاكل فنّية ومحاسبية وإدارية نتيجة هذه الخطوة”، وفق الدراسة. كما أنها قد تمثّل نتيجة واقعية للسياسات المتضادة، مع احتمالية تنفيذ الحوثيّين عقوبات ضد البنوك التي تنفّذ هذه الخطوة، ولكنها في نفس الوقت ستكون عاجزة عن إيجاد بدائل فيما يخصّ تعامل البنوك مع العالم الخارجي”.
وهنا تشير الدراسة سيتحوّل الجهاز البنكي في مناطق سيطرة الحوثيين إلى “نظام شبيه بالنظام البنكي والمصرفي الإيراني المعزول عالميًا”.
وأما السيناريو الثالث فتمثّل في “إمكانية إنشاء غرفة تنسيق محدودة بين البنك المركزي وفرعه في صنعاء فيما يخصّ إدارة الرقابة على البنوك، من أجل تجاوز مشكلة الرقابة على البيانات وعلى تمويلات مكافحة الإرهاب“.
لكن الدراسة، استبعدت هذا السيناريو لعدة أسباب، منها: أن الحوثيّين جماعة مصنفة “جماعة إرهابية“، محلّيا وإقليميًا، ولا يمكن القبول بوجود ممثّلين لها في الرقابة على النشاط المصرفي والمالي.
وأيضًا لا يمكن الركون لأيّ تفاهمات من هذا الشأن دون وجود تسوية شاملة وحلٍّ للوضع القانوني لفرع صنعاء. ويمكن أن يقود هذا السيناريو إلى استقالة مجلس إدارة البنك المركزي الحالية، وفق الدراسة.
وتمثّل السيناريو الرابع في “نقل مراكز البنوك ومراكز العمليات إلى عدن“. وهذا السيناريو، وفق الدراسة، “يصطدم بدرجة رئيسة بمواجهة الحوثيّين للقرار واحتمالية وضع يدهم على أصول البنوك وممتلكاتها، أو التعرّض لكوادر البنوك وتقييد تحرّكاتهم”.
وتحدث السيناريو الأخير عن “إمكانية استمرار التصعيد في الملفّ الاقتصادي، خاصة في الملفّ المالي وقطاعي الاتّصالات وآليات الاستيراد، الأمر الذي قد يقود إلى انهيار الهدنة الحالية وعودة التصعيد العسكري“.
وحتى الآن، تقول الدراسة، إنه هذا الخيار “مستبعدًا في الأجل القصير، لكنه ممكن في الأجل المتوسّط، وخاصة في حال فشلت التفاهمات بين السعودية والحوثيّين”.