|    English   |    [email protected]

“أئمة الهدى” وسلاح التحقير.. تقرير لـ“برَّان برس” يبحث في الجذور التاريخية والأبعاد الحقيقية للإساءات الحوثية لليمنيين

الخميس 22 أغسطس 2024 |منذ شهرين

برّان برس- وحدة التقارير:

ليس القيادي في جماعة الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب، “حمود الأهنومي”، أوّل من أساء لليمنيين، وطعن في “شرف” اليمنيات، وليس آخرهم، فمسلسل الإساءات، قبل وبعد، ما تفوّه به أكثر من أن تحصى، وأفحش من أن تقال.

وبحسب مراجع تاريخية ومؤرخون، فمنذ مجيء “يحيى حسين الرسّي” إلى اليمن، قبل 1154 سنة، وإساءاته لليمنيين، ومن بعده سلالته، وأتباعه، لم تتوقف يومًا واحدًا، سواء عبر المنابر العامة، أو الكتب، أو اللقاءات والتواصلات الخاصة، وتزداد حدّة، وكثافة، وبشاعة، وبذاءة؛ وفقًا لحدود، ومتطلبات حربهم ضد اليمنيين، مجتمعين أو أفراد، وعادة ما تغلّف بدين الإسلام.

وفق باحثين، فإن الإساءة لليمنيين، والطعن بأعراضهم، وأنسابهم، وتدينهم، بدوافع وأهداف عنصرية، بات سلوكًا تمارسه السلالة كجزء من شعائرها الدينية اليومية، إذ تبتكره وتشرعنه المرجعيات الهادوية، ويتلقّفه الأتباع كدين.

في هذه التقرير، يحاول “برّان برس”، البحث عن حدود هذه الظاهرة، وأبعادها، وأسباب الحقيقية، وجذورها الفكرية والعقدية عبر التاريخ، ويبيّن أثرها على المجتمع اليمني، وآليات معالجتها بما يحول دون استمرار الحروب والصراعات الممتدّة عبر الزمن.

طعن في الدين والأعراض

الكاتب والباحث اليمني، “زايد جابر”، قال إن “الاساءات التي وجهتها المرجعيات الهادوية الهاشمية لقبائل اليمن كثيرة، وتتوزع في مجملها حول تهم تتعلق بالدين والدنيا”.

ومن التهم المتعلّقة بالدين، وفق الباحث، أن “يتم اتهام مخالفيهم بالنفاق، بل والكفر الصريح أحيانًا  إضافة إلى وصمهم بالجهل بشرائع الإسلام، وكذا اعتبار اعتراضهم على الأئمة، اعتراض على النبي نفسه وعلى الدين. فيما المتدين من القبائل المعارضة لهم يتهمونه بأنه ناصبي، ومنافق، والمعاصرين يضيفون تكفيري وداعشي”.

وإلى جانب التهم الدينية، قال “جابر”، في حديث لـ“برّان برس”، إنهم “طعنوا بأعراض معظم القبائل اليمنية التي عارضتهم يومًا ما، ومنها وصفهم بأنهم أبناء زنى، وأن نساءهم لا يحافظن على شرفهن، ويقمن بالاختلاط مع الرجال... الخ، وصولًا إلى زعمهم بأنه لولا الأئمة لكانت الفاحشة تمارس عند القبائل اليمنية بشكل منظم وواسع ..الخ”.

طعن في الأخلاق والأنساب

من جانبه، قال الصحفي والكاتب اليمني، الدكتور ثابت الأحمدي: “من يلمّ، وإن بالحد الأدنى، بأدبيات الإمامة الهادوية شعرًا، ونثرًا، يجدها طافحة بالإساءات الجارحة لليمنيين”.

وأوضح “الأحمدي”، وهو باحث في التاريخ اليمني، في حديث لـ“برّان برس”، أن هذه الإساءات “تركزت، بالدرجة الأولى، في الجانب الأخلاقي”، متعجبًا من “أنهم جعلوا منها عقيدة دينية”. 

والأكثر عجبًا، وفق الباحث، “إنهم نسبوا ما سموها أحاديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، تقرر أن من يكره آل البيت إما.. وإما.. وإما.. ويربأ القلم أن يكتب تلك الألفاظ الخادشة للحياء”.

وبيّن أنه “في بحار الأنوار للمجلسي، ما يشيب له الرأس، وفي سيرة الهالك السفاح يحيى حسين الرسي، وغيره مما يسمى مجاميع أهل البيت عجب يتعجب من العجب!! وكذا في دامغة الدوامغ للشامي”.

ومن وقت مبكر، قال “الأحمدي” إنه “تم الطعن في أنساب اليمنيين، وفي شرفهم، رجالًا ونساء على حد سواء”، إضافة إلى “دمغ رموز اليمن الاجتماعية والثقافية والسياسية بوصمات أخلاقية لا علاقة لهم بها، ولم يعرفوها خلال كل تاريخهم”. معتبرًا الرمز اليمني “علي بن الفضل أنموذجًا” لهذا الأمر.

ليست مجرد شتيمة

وعن الجذور العقائدية والفكرية لهذه الاساءات التي ظل أئمة الهادوية وأتباعهم يدمغون بها مخالفيهم من اليمنيين، قال الباحث “زايد جابر”، إنها “لم تكن مجرد شتيمة عابرة، وإنما قاموا بتأصيلها، وزعموا أن لديهم أحاديث نبوية”.

ومن هذه الأحاديث، وفق قوله، “ما رووا- كذبًا- أن النبي قال "لا يبغضنا آل البيت إلا أحد ثلاثة رجل أتت به أمه من غير فراش أبيه- أي ابن زنى- أو رجل أتت به أمه وهي حائض، أو رجل يؤتى في دبره" وفي رواية أو منافق”.

علماء الشتائم

وتحدث “جابر”، لـ“برّان برس” عن “روايات كثيرة تمتلئ بها كتب التراث الهادوي”. وقال إن هذه الروايات “حققها وصححها علماء الهادوية المعاصرين من أمثال مجد الدين المؤيدي، وبدر الدين الحوثي، وعبدالسلام الوجيه، وعبدالعظيم الحوثي، وغيرهم كثير”. مؤكدًا أنه “لا يوجد أي مرجعية تعترض على ذلك حتى اليوم”.

ولهذا، قال إنهم “عمموا هذه الإساءات على كل خصومهم عبر التاريخ”، مضيفًا أنه “لم يسلم منهم حتى الخلفاء الراشدين، وبني عمومتهم العباسيين، فضلًا عن زعماء، ومشايخ، وقادة اليمن، الذين واجهوهم عبر التاريخ”.

إرهاب فكري وقتل معنوي

وعن تأثير هذه الاساءات، قال “زايد جابر”: “كان لها تأثير، من قبل، على كثير من الناس الذين وقعوا تحت تأثير الإرهاب الفكري الذي مارسه الأئمة، ودعاتهم”. وزاد وقعها “الهالة التي كان يقدم بها هؤلاء المرجعيات باعتبارهم أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وقرناء الكتاب، وسلالة النبي... الخ”.

وأضاف: “في ظل الجهل والأمية المتفشية، وحرص الناس على سمعتهم، وأعراضهم، فقد تجنب بعضهم معارضة هؤلاء وبعضهم انخرطوا في القتال معهم حتى لا تنالهم هذه الاتهامات”.

من جانبه، أوضح الباحث “الأحمدي“، أنه “ترتب على هذه الإشاعات، التي تعتبر نوعًا من الحروب، أن صدقها البعض من البسطاء، وعامة الناس، وانطلت عليهم، وصارت من المسلمات عند البعض، وإن كانت النخبة الأكثر وعيًا لم تتأثر بهذه الإشاعات، فتم تجييش العامة ضدهم، وتحشيد الناس في حربهم، لتغيير المنكر حد زعمهم”.

وفي حديثه لـ“برّان برس”، اعتبر “الأحمدي”، هذه الإساءات “نوع من الإشاعات التي تُعتبر سلاحًا من أسلحة المواجهة”، وقال إن “تاريخ الإمامة كله مواجهة، وحرب لليمنيين، منذ توردوا إلى اليمن، وحتى اللحظة”، جازمًا أن اليمن “لم تهدأ سنة واحدة من الحرب أبدا”، منذ مجيء من وصفه بـ“المجرم الطاغية الأول يحيى حسين الرسي، وإلى اليوم”.

وحول هذا، قال الصحفي والكاتب اليمني، همدان العليي، إن “السلالة استخدمت الإساءة والتشوية لترهيب اليمني الذي لا يؤمن بها، إذ لا يمكنها ترهيبه إلا من خلال هذه الأساليب؛ لعدم قدرتها على إخافته بالجنة والنار. ووصفها بأنها “وسيلة قبيحة تؤذي اليمني في الدنيا، على قاعدة إذا لم تؤمن بنا فأنت... (أوصاف بذيئة)”.

وأضاف “العليي”، في حديثه لـ“برّان برس”، أنهم (السلالة) “يمعنون في استخدام هذا الأسلوب لتحقير اليمني، وإرهابه في بلد محافظ، وهذه الصفات تؤذيه، وتنفّر الناس عنه مدى الحياة، كما يستخدمونها لمواجهة أي “أصوات مؤثرة أو قيادات سياسية أو مجتمعية أو مدرسين أو شخصيات عامة ذات تأثير، من خلال نعتهم بأبشع الأوصاف، لينفروا الناس عنهم، ويمنعوا تأثيرهم". مضيفًا أن “لديهم فتوى في هذا الأمر”. 

دوافع عنصرية

وعن الأسباب، قال “همدان العليي”، وهو مؤلف كتاب: الجريمة المُركّبة.. أصول التجويع العنصري في اليمن، إن “السلالة تمارس العنصرية ضد اليمنيين منذ أن مجيء الرسي إلى اليمن، فهم يرون أنفسهم مميزين عن بقية الناس، فيقومون بجمع أكبر قدر ممكن من النظيرات والخرافات والمصطلحات والعبارات والأقاويل التي تحقر الآخر، وبالأخص الذي يختلف عنها، ويرفض الخضوع لها”.

والسبب في هذا التحقير، والاستهداف لأعراض اليمنيين، وفق “العليي”، هو الاعتقاد “العنصري” لدى الجماعة. وقال: “تعتقد السلالة أنها مميزة، ومطهرة، وتنعت نفسها بالطهارة، وبالتالي اليمنيين ليسوا من المطهرين. وتصف نسائها بأنهن شرائف، وبالتالي اليمنيات لسن شريفات، بهذا المعنى. وعندما يطلقون على أنفسهم سادة، إذاً اليمنيين أتباع”.

وأكّد أن “الاعتقاد العنصري، هو الذي يجعلها تحقر الآخر؛ لأنها تثبت تميزها بهذه الطريقة”. مشيراً إلى أنها “لا تستطيع أن تثبت بأنها متميزة على الآخر إلا من خلال تحقيره”.

فارق أخلاقي وتجريم العنصرية

وعن ردة فعل اليمنيين، قال “همدان العليي”، إن “لكل فعل ردة فعل، وعندما يلجأ الحوثيون أو غيرهم إلى مثل هذا الأسلوب السيء، والدخول في أعراض اليمنيين، وفي كرامتهم، يكون هناك ردة فعل مجتمعية”. مضيفًا أن “القليل فقط ممن سيصبرون على مثل هذا الطرح السيء، وتبدأ الأطراف الأخرى بنفس الصيغة”. معتبرًا “هذا أمر سيء ونحذر منه”.

وقال في حديثه لـ“بران برس”: “إذا كان الناس يريدون أن يوقفوا سلسلة القدح، والردح، والإساءة فيجب أن يتوقف البادئ، تتوقف الجماعة التي تتخذ هذا الأسلوب السيء والقبيح كدين”، موضحًا أن “اليمنيين حينما يردون على مثل هذا الطرح، هي ردة فعل، بينما هذه السلالة تقوم بهذا الفعل باعتباره جزء من دينها”.

وأضاف: “هذا الفارق الأخلاقي واضح، وبحاجة لمعالجة حقيقية من الجذور، بحيث يتم التعامل مع النصوص الدينية والكتب التاريخية التي تذكر هذه الأمور وتشرعنها بطريقة قبيحة”.

وتابع: “عندما نقول إننا بحاجة إلى معالجة هذه المظاهر أو هذه الأساليب نعود إلى نقطة البداية، وهي ضرورة تجريم العنصرية أولاً، ومعالجتها لتختفي أعراض العنصرية”، معتبرًا “سب اليمنيين، والدخول في أعراضهم، والتحقير منهم بشكل دائم، هو عرض من أعراض العنصرية العرقية التي تمارسها هذه السلالة”.

سبل المواجهة

وعن وقع هذه الإساءات حاليًا، قال الباحث “زايد جابر”، إن ”الأمر يختلف اليوم”، وبرأيه “فهذه الإساءات سترتد عليهم”، مرجحًا أن “تكون أحد أسباب يقظة اليمنيين، ومعرفتهم بهذا المشروع السلالي، العنصري، ومدى احتقاره لليمنيين، وطعنه بأعراضهم، وسمعتهم، وتاريخهم”.

وعن أفضل الطريق لمواجهتها، يرى أن هذا يتم بكشف الإساءات أمام الناس عبر وسائل الإعلام المختلفة لـ“إظهار حقيقة الحوثيين، ورؤيتهم لقبائل اليمن، ولكل اليمنيين”، إضافة إلى “بيان الجذور الفكرية والتاريخية لمثل هذه الإساءات”.

وباعتقاده، فإن هذه الإساءات “لا تحتاج إلى عناء لتفنيدها؛ إذ هي ساقطة الاعتبار، عقلًا، وشرعًا حتى لدى الرجل الأمي“. معتبرًا ما أسماه “الإرباك” لدى قيادة الحوثيين بعد التسجيل المسرب للاهنومي، “دليل على ما أحدثه من أثر سلبي على أتباعهم من القبائل فضلًا عن خصومهم”.

من جانبه، يشدد “العليي”، على ضرورة مواجهة هذه الإساءات، قائلًا: “نحن بحاجة لأن ترتفع الأصوات بشكل كبير جدًا”، داعيًا لـ“عدم الخجل من مواجهة هذه الاشكاليات”. وقال: “يكفي ألف و200 سنة من هذا اللؤم وهذا القبح يجب أن يتوقف”.

وذكر الباحث العليي، وسائل كثيرة يمكن من خلالها إيقاف هذا الأسلوب الذي وصفه بـ“السيء والقبيح”، ومنها “دراسات نقدية معمقة وصريحة لا تخضع للابتزاز، وتأليف الكتب، وتنظيم ورش العمل، إلى جانب عمل إعلامي مكثف لا يتوقف خلال أسبوع أو أسبوعين”. 

مسؤولية المواجهة

وعن مسؤولية المواجهة، يقول الباحث التاريخي “جابر”، في حديثه لـ“برّان برس”، إن “مواجهة هذه الإساءات- والفكر العنصري السلالي كله إساءات- هي مهمة أصحاب الفكر، والدعوة، والاعلام، والناشطين”.

ويتم هذا برأيه، “عبر مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة الثقافية والاعلامية”. فضلًا عن “بيان، وكشف، وتفنيد هذه الإساءات عبر مناهج التعليم وغيرها”.

بدوره، قال الباحث الأحمدي في حديثه لـ“بران برس”: “الحقيقة أننا أمام حرب من الحروب الخطيرة، هي حرب الشائعات التي استهدفت الإمامة بها خصومها، ولا تزال إلى اليوم”.

وأضاف: “علينا جميعا التصدي لها ومواجهتها”، موضحًا أن المواجهة تتم من خلال “تفنيدها ودحض شبهاتها، وتبيين الحقيقة للناس”.

وتابع: ”ليكن في بالنا جميعًا أن هذه الفئة الطاغية الباغية قد أساءت لليمنيين على كل المستويات ماديًا ومعنويًا، ولم تدع شيئًا إلا ونالت منه، بأسلوب حاقد ولئيم”.

من جانبه، شدد “العليي”، على ضرورة أن “يكون هناك موقف، وإجراءات على كافة المستويات، ومن كل الأطياف، والفئات اليمنية، تشترك فيها الجهود الرسمية والمجتمعية، وجهود رجال الدين، ومنظمات المجتمع المدني، والمعلمين، في عمل مكثف”.

وقال: في النهاية هذا تاريخنا، وهذه أعراضنا، وهذه مسؤوليتنا، وهذا أيضًا ديننا وبلادنا”. يجب أن يكون هناك عمل كبير واسع ومنظم، وهي ليست فقط مسؤولية المؤسسات الرسمية، وإنما منظمات المجتمع اليمني وكل فرد. 

وطالب “العليي”، في حديث لـ“برأن برس”، “كل يمني” بأن “يقاوم هذا الأسلوب، ويواجهه بشجاعة وحسم وقوة، كي لا نؤذي مستقبل الأجيال القادمة”. معتبرًا أن “هذا سلاح بيد هذه العصابة، ويجب تعطيله”، محذرًا من أن “هذا الأسلوب إن لم يتم معالجته، ومقاومته سيسيئ إلى اليمنيين إلى يوم القيامة”.

وخلال الأسبوع الماضي، أثارت تسجيلات مسربة للقيادي في جماعة الحوثي “الأهنومي”، والتي أساء فيها لليمنيين، غضبًا واسعًا في أوساط الشارع اليمني، وتدافع اليمنيون بمنصات التواصل الاجتماعي للرد عليها، والتصدّي لما قاله، فيما ذهب آخرون للنبش في تاريخ الإساءات التي وجهتها المرجعيات الهادوية لليمنيين، والمنطوية على العنصرية والنهج الاستعلائي.

وبحسب ناشطون لم تكن إساءات، “الأهنومي”، الأولى بحق اليمنيين، فقد كانت قيادات حوثية قد أساءت لليمنيين بزعمها أنه لولا “المخيمات الصيفية” التي تقيمها للشباب لكن اليمن “مرتعًا للدعارة”، وسبق ذلك وصف قيادات في الجماعة لليمنيات اللاتي خرجن ليلة 26 سبتمبر/أيلول الماضي، في صنعاء وإب، للاحتفاء بالعيد الوطني الـ61 للجمهورية اليمنية، بـ”العاهرات”، والفعالية بـ“حفلة القحاب”.
 

مواضيع ذات صلة