|    English   |    [email protected]

تقرير | أعين العالم على “طهران” وأعينهم على الحديدة وإب.. كيف يحوّل الحوثيون الأحداث الإقليمية إلى معركة داخلية؟

الأربعاء 18 يونيو 2025 |منذ 4 ساعات
الحوثيون ومعركة الانتقام الداخلية - بران برس الحوثيون ومعركة الانتقام الداخلية - بران برس

أعد التقرير لـ"بران برس" - محمد اليوسفي:

بينما كانت أعين العالم متجهة صوب العاصمة الإيرانية طهران عقب تعرضها للضربة الإسرائيلية المباغتة فجر الجمعة الماضية، كانت جماعة الحوثي المصنفة عالميًا في قوائم الإرهاب، تجهّز ضربة مختلفة تمامًا موجهة إلى الداخل اليمني، وتحديدًا في محافظتي إب والحديدة.

مصادر محلية ونشطاء وضحايا تحدثوا لـ“بران برس”، على مدار الأربعة الأيام الماضية عن حملة قمع غير معلنة شنّتها الجماعة الحوثية مستغلّة “الضربة الإسرائيلية على طهران“ كذريعة لابتزاز المواطنين، وتعزيز سطوتها عليهم.

حملة مداهمات وقمع

في مدينة إب، وسط اليمن، قالت مصادر محلية لـ“بران برس”، عن الجماعة نفّذت حملة مداهمات استهدفت عشرات المواطنين، ومن لم يُعتقل تم استدعاؤه، أو خضع للتفتيش، أو نُقلت عنه أقوال “مشبوهة” في مجالس مغلقة.

“داهموا بيتي منتصف الليل، وأخذوني وأنا نائم بجانب أطفالي. سألوني: هل تشكّ في قدرة إيران؟ قلت لهم: أنا موظف بالكهرباء لا أفهم في السياسة!”، يقول أحمد عامر (اسم مستعار)، من سكان القاعدة بمحافظة إب، لـ“بران برس”.

في الحديدة الساحلية، جنوبي غرب البلاد، أكّدت مصادر محلية، أن الجماعة نفّذت نفس الحملة عبر لجان الحارات، وما يسمّى بجهاز الأمن الوقائي، وطالت العديد من المواطنين.

مصدر أمني مطلع تحدث لـ“بران برس”، مفضلًا عدم كشف هويّته، أن الحملة الأمنية التي سُميت داخليًا بـ“ردع المرجفين”، استهدفت ما لا يقل عن 112 شخصًا في محافظتي إب والحديدة، خلال الأيام الثلاثة الماضية، وتم التحقيق معهم في تهم “بث الشائعات، والارتباط المعنوي بالعدوان”.

الرأي جريمة

تظهر شهادات مباشرة من مواطنين اعتقلتهم جماعة الحوثي أنهم خضعوا للاعتقال والتحقيق بتهم فضفاضة تشمل “التهوين من الرد الإيراني“، و“إضعاف الروح الجهادية”، و“الطعن في محور المقاومة”.

الطالب في جامعة إب (م.د)، أحد الذين استدعتهم جماعة الحوثي واحتجزتهم لأيام بسبب تعليق عادي على الأحداث تحدث به مع زملائه. قال لـ“بران برس”: “كنت في نقاش مع زملائي وقلت إن إيران لن ترد فقط تهدد. كنت أظنه رأيًا شخصيًا عاديًا، إلا أنه بعد يومين طُلب حضوري إلى جهاز الأمن الوقائي، واحتجازي هناك لثلاثة أيام”.

أثناء الاحتجاز، قال: تعرضت للجلد، وتم تسجيلي وأنا أعتذر في فيديو قصير، ثم أُجبرت على توقيع تعهد، ولا زلت ممنوعًا من مغادرة المدينة”.

ناصر صادق (اسم مستعار)، تاجر من محافظة الحديدة، قال لـ“بران برس“، إن أحد مشرفي الحوثي داهم محله التجاري فجأة وطلب منه دعًا ماليًا للمجهود الحربي للجماعة، ليرفضه قائلًا: “تجارتنا بالكاد تُطعم عائلاتنا”.

وبعدها بيوم، وتحديدًا صباح السبت الماضي، قال ناصر، إن مسلحي الجماعة قاموا بإغلاق محله التجاري ليومين بتهم إدارية “كاذبة”، مضيفًا أن الجماعة تتعامل معه وفق قاعدة “إما أن تدفع وتصمت أو تُدان”.

الناشط المجتمعي أ.س، وهو من أبناء محافظة إب، قال لـ“بران برس”: “اقتادوني من الشارع بناء على وشاية نقلها أحدهم زعم أنني سخرْتُ فيها من بيان متلفز للحوثيين مساء الجمعة. مضيفًا أنهم اعتبروا هذه المزاعم طعنًا في طهران، وطعنًا في الله.

شبكة رقابة

وفق المصادر، فإن جماعة الحوثي أسست، خلال السنوات الماضية، شبكة هرمية من “العسس والجواسيس”، تتكون من مشرفي الأحياء، وعقال الحارات، وأئمة المساجد، ووكلاء التجنيد، وحتى طلاب الجامعات التابعين لها. ويقوم هؤلاء بالرصد والتبليغ، بل يشاركون أحيانًا في إنتاج رواية "الردح التعبوي" التي تحول كل منتقد إلى خائن، وكل محايد إلى متخاذل.

تعليقًا على هذه الشبكة الرقابية، قال الصحفي عميد المهيوبي، إن “الخطير في تجربة الحوثي أنها لا تكتفي بإنتاج آلة أمنية، بل تبني نظامًا اجتماعيًا قائمًا على الرقابة الذاتية”. مضيفًا في حديثه لـ“بران برس”، أن “الفرد في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة يعيش مع صوت داخلي يقول له لا تضحك، لا تعلّق، لا تسأل”.

لماذا إب والحديدة؟

عن سبب تركّز حملات الجماعة في إب والحديدة، أوضح المهيوبي، أن هذا الأمر “ليس اعتباطيًا، فالمدينتان تمثلان ثقلًا ديموغرافيًا، ومزاجًا شعبيًا غير قابل للتجنيد المطلق. متابعًا: في إب، تتداخل القبيلة بالمدنية، فيما الحديدة تعيش على شفا الاقتصاد المنهار، وتحت طبقات متراكمة من الإهمال والخذلان”.

وأشار إلى أن الجماعة “تحتاج إلى السيطرة عليهما، لكن ليس بالعنف المفرط، بل بالقمع المنظّم، والتخويف المدروس، لذلك فإن كل حدث خارجي يتحول إلى مبرر لضبط الداخل”.

وكان المصدر المطلع، قد أوضح لـ“بران برس”، أن التوجيهات المركزية التي أصدرتها الجماعة الحوثية “كانت واضحة: استثمار التصعيد الإيراني ضد إسرائيل، لتعزيز الجبهة الداخلية، وردع أي مظاهر ضعف أو تشكيك”. 

حرب موازية وأدوات ناعمة

إلى جانب حملات الاعتقالات والقمع، وسّعت الجماعة الحوثية نشاطها لإعادة تشكيل الوعي الجمعي عبر الأدوات الناعمة كالمساجد، والاحتفالات، والمناهج، والخطاب الإعلامي.

قالت مصادر محلية بمحافظة إب، إن الجماعة خصصت خطبة الجمعة الماضية في مساجد المحافظة، حول ما أسمته “خيانة الصامتين”، فيما أدرجت أسماء المعتقلين في الحملات على أنهم “خلايا نائمة” ضمن مسمى “العدوان الإعلامي”. موضحين أن الهدف هو تحويل الشك إلى خيانة، والخوف إلى طاعة، والسخرية إلى جرم سياسي.

أجمعت المصادر على أن الجماعة باتت تتبنى معادلة واضحة: كل حدث يمكن تحويله إلى مناسبة لقمع داخلي، وليس فقط أداة للبروباغندا، ولهذا فإن المواطن في إب أو الحديدة يدفع ثمنًا لحرب بعيدة عنه، ولا رأي له فيها.

قال معتقل مفرج عنه ضمن الحملة الأخيرة، فضل عدم ذكر اسمه: “نُسجن لأننا لم نُصفق، لأننا لم نردد الهتاف، لأننا سألنا: ماذا فعلت إيران؟”.

في المواجهة الجارية بين إيران وإسرائيل، قد لا يُطلق الرصاص، لكن في إب والحديدة، تخوض جماعة الحوثي معركة من نوع مختلف، معركة على ما يجب أن تفكر فيه، وما لا يجب أن تقوله، ومتى يلزمك أن تصمت.

في هذه الزاوية المنسية من الحرب، تعيد جماعة الحوثي هندسة المجتمع اليمني تحت غبار المعركة بصمت، تنتج نوع جديد من السلطة، يُغلف بالدين، ويُسوّق على أنه مقاومة، وتحضر ذريعة “العدو الخارجي” كأداة فعّالة لإنتاج الطاعة والتخويف والتبعيّة.
 

مواضيع ذات صلة