برّان برس | أعد التقرير- ضيف الله الصوفي:
مع زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، إلى مدينة تعز (جنوبي غرب البلاد)، عادت إلى الواجهة الأسئلة المتعلقة بأسباب تعثّر معركة تحرير المدينة، وما إذا كانت الزيارة تدفع لاستئناف عملية التحرير.
والثلاثاء (27 أغسطس/آب الماضي)، وصل رئيس مجلس القيادة، ومعه عضوا المجلس عبدالله العليمي، وعثمان مجلي، وعدد من الوزراء، إلى مدينة تعز، كأول زيارة بهذا المستوى منذ عقد ونصف، وحظيت بزخم شعبي ورسمي كبيرين.
ووفق ما نشرته وكالة الأنباء اليمنية سبأ (رسمية)، فقد تفقد “العليمي”، عدد من جبهات القتال بالمحافظة، مشيدًا بالجاهزية القتالية لقوات الجيش والمقاومة، بما فيها “القدرات التدريبية، والتأهيلية المتنامية على كافة المستويات”.
وقال “العليمي”، في اجتماع مع السلطة المحلية، إن “أفضل سبيل لرد جميل هذه المحافظة هو التحرير الناجز، وجعلها كما كانت على الدوام منطلق للخلاص من قوى الاستبداد، والاستعمار، والكهنوت في كل ربوع الوطن”.
وفي إطار التفاعلات مع الزيارة، تساءل كثيرون عن موانع استكمال تحرير تعز، وكسر الحصار الذي تفرضه جماعة الحوثي المصنفة بقوائم الإرهاب على المدينة منذ 10 سنوات، ورفع المعاناة القاسية على نحو 4 ملايين نسمة يعيشون بداخلها.
قرار مرتهن
وحول قرار التحرير، قال وكيل أول محافظة تعز، الشيخ عارف جامل، لـ“برّان برس”، إنه “مع المتغيرات الدولية والإقليمية أصبح قرار الحرب مرتهن للجانب الدولي والإقليمي والحكومة الشرعية”.
ورغم هذه المتغيرات، قال: “نؤمن بأننا على أبواب معركة فاصلة مع جماعة الحوثي، التي لا تؤمن إلا بلغة القوة..”.
وعن طبيعة هذه المعركة، أوضح الشيخ جامل، وهو رئيس فرع حزب المؤتمر الشعبي العام بتعز، أنها لا تقتصر على “تحرير تعز، وإنما لتطهير اليمن من هذه الجماعة (الحوثي) واستعادة الدولة وعاصمتها صنعاء”.
مكافأة تعز
وقال “جامل”، في حديثه لـ“برّان برس”، إن “معركة تحرير تعز هي المشروع الكبير الذى تسعى له كل القوى داخل المدينة المحاصرة، والتي استطاعت كسر الحصار جزئيًا وتطبيع الحياة اليوم”.
وأضاف أن “قناعة أن أبناء تعز بجيشها ومقاومتها تتمثل في استكمال تحرير المحافظة، والانطلاق نحو استعادة صنعاء ومؤسسات الدولة”.
ولفت إلى أن “كلمة الرئيس رشاد العليمي، واضحة في أن أكبر مكافأة تستحقها تعز، التي عانت كثيرًا وقدمت التضحيات، هي استكمال التحرير”. وقال: “مهما حاول البعض أن يغرد خارج السرب فهذا هو التوجه اليوم”.
ترسيخ الدولة
تحدث الشيخ جامل، لـ“بران برس”، عن البدايات الأولى لمقاومة تعز، وقال إنها “كسرت المشروع الحوثي بداية المقاومة الشعبية عندما التف أبناؤها بكل مكوناتهم مع المقاومة الشعبية”، مضيفًا أنها ظلت “طيلة 10 سنوات في قتال مع الحوثي، وقدمت آلاف الشهداء والجرحى، واستطاعت التصدي للمشروع الحوثي، وكسر شوكته”.
وفي الوقت نفسه، قال إن مدينة تعز استطاعت “استعادة الدولة ومؤسساتها خلال سنوات الحرب والحصار الحوثي في ظل ظروف صعبة؛ حيث كان يُراد لتعز أن تكون مستنقع للإرهاب والعصابات؛ لكن بمقاومتها وجيشها استطاعت ترسيخ الدولة،
ويرى “جامل”، أن “تعز اليوم ليست تعز الأمس، فقد استقر فيها الأمن والخدمات وعاد المواطنين النازحين”.
موانع التحرير
عن العوائق أمام معركة تحرير تعز؛ ذكر الكاتب السياسي، أحمد شوقي، لـ“برّان برس”، العديد منها “أولها: أن الإرادة السياسية للتحرير كانت معطلة منذ عهد الرئيس هادي، وثانيها: الصراعات السياسية الداخلية والإقليمية، وهذه استنزفت وقتًا طويلًا، وتسببت بإضعاف المقاومة في تعز؛ نتيجة صراعات القوى السياسية داخل المحافظة، والاختلالات، وإثارة المشاكل، وسوء الإدارة التي حدثت”.
وإضافة إلى “ضعف ثقة الشرعية، وربما الإقليم التي كانت موجودة في الداخل”؛ ذكر “شوقي”، مشكلة أخرى ذات طابع “جغرافي عسكري”.
ويتفق معه الصحفي “مكين العوجري”، الذي قال لـ“برّان برس”، إن توقف وعرقلة عملية تحرير تعز، هو بسبب “التشظي داخل مكونات الشرعية، وتعدد المشاريع الإقليمية أو تعدد الارتهان لجهات إقليمية”.
وإضافة إلى ذلك، قال إن “المكونات الاجتماعية أو السياسية أو العسكرية المنضوية تحت الشرعية، لا تمتلك غرفة عمليات واحدة أو بالأصح حقيقية تتولى قيادة فعلية للمعركة”، وهذا برأيه أدى إلى “التراجع عن الهدف السامي الذي كان يقضي بتحرير محافظة تعز، وإلى الآن هناك تشظي وانقسام”.
وحاليًا، يقول “العوجري”، إن “البعض يرى ضرورة أن تتوقف الجبهات، والبعض يقول إنه لن يكون هناك تحرير إلا بقوة السلاح”. مضيفًا أن “المعركة طالت كثيرًا، وهذا أدى لخمول الجبهات، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية، التي تعد جزء من تأخير عملية التحرير”.
من جانبه، قال نائب رئيس التوجيه المعنوي بمحور تعز العسكري، العقيد عبدالباسط البحر، لـ“برّان برس”، إن “هناك عدّة عوامل تعيق استكمال التحرير، موضوعية وذاتية”.
وتتلخص هذه العوائق، وفق البحر، “بعدم وجود إرادة حقيقية، ناهيك عن وجود أجندات معينة تعرقل استكمال تحرير ما تبقى من تعز، رغم أن المناطق غير المحررة تشمل أجزاء بسيطة ومديريات قليلة”.
شرط التحرير
ومن أجل استكمال تحرير تعز، يقول “شوقي”، أن العملية “تحتاج إلى خطة عسكرية متكاملة تقاد من الداخل ومن الخارج”.
وهذه العملية، برأيه، “تحتاج لوجود إرادة سياسية، ووحدة قرار سياسي وعسكري داخل الشرعية يتم من خلالها تشكيل غرفة عمليات مشتركة تساعد في تحرير تعز من الداخل ومن الخارج، وتشترك فيها الألوية الجنوبية في لحج والضالع والحديدة إن أمكن، أو قوات الساحل الغربي القوات المشتركة، ومن الداخل عبر الجيش في تعز”.
وعن توقيت هذه العملية، قال إنه لا يمكن التنبؤ بها إلا “عندما يكون هناك بشائر تؤكد على هذا الكلام، كوجود حوار بين القوى السياسية في الداخل وحوار داخل مكونات الشرعية في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة وتخرج برؤية وطنية شاملة للمعركة”.
استراحة مُحارب
وحول الآراء القائلة بانتهاء المعركة مع توقف الحرب “شكليًا” مع الحوثيين، واقتصارها على ميدان السياسة منذ إعلان الهدنة الأممية في أبريل/نيسان 2022، يعتقد “شوقي”، أن “المعركة لم تنته؛ وما زالت في أول بدايتها”.
وبرأيه فإنه “رغم مرور 10 سنوات، ورغم المعاناة الشديدة، إلا أن ما حدث لم يكن حربًا حقيقة أو كاملة؛ وإنما نصف حرب، ونصف معركة إن جاز التعبير”، والسبب أنه “لم تسخر طاقه الشعب اليمني في مواجهة جماعة الحوثيين، ومع الأسف الإنقسام السياسي سبب لنا الكثير من الخسائر”.
وحتى مع وجود خطة سلام، فهذا لا يعني، وفق الكاتب السياسي، “نهاية المعركة على الإطلاق، بل على العكس سنستنزف المزيد من الوقت، وستعود المواجهة من جديد”.
وفي هذه الحرب قال: “ربما سنتجرع هزيمة في القادم؛ عند الدخول في أي تسوية سياسية مجحفة، وبالتالي لا بد من أن تكون هناك معركة قوية تخوضها الشرعية ضد جماعة الحوثي، وإجبارها على الانصياع للسلام وتنفيذ إرادة الشعب اليمني”.
ليست سهلة
من جانبه، يعتقد “العوجري”، أن المعركة الفاصلة ليست سهلة، وإذا كان هناك عملية عسكرية فالظروف الآن مهيأة بشكل كبير، خاصة مع وجود عمليات عسكرية للحوثيين في البحر الأحمر”.
ورغم هذا يقول إن الحكومة لا “تستطع تحريك أي عمل عسكري ما لم يكن التحالف معها”. مؤكدًا أهمية أن تستثمر الحكومة الدعم الغربي راهنًا. وأضاف أنه “إذا كان هناك عملية عسكرية فاصلة، ربما لن تكون في القريب لأن الساحة تشهد تحركات سياسية وتحرك عجلة السلام”.
وبرأيه فإن المعركة اليوم “أصبحت سياسية اقتصادية أكثر ما هي عسكرية، خاصة مع كثافة التحرك الدولي والأممي للبحث عن خارطة سلام شامل في اليمن”، رغم أنها “لا تجدي نفعًا مع الحوثيين”، حد قول “العوجري”.
وقال إن “الناس يبحثون عن استقرار وسلام؛ لكن الواقع أن الحوثيين لا يؤمنون بالسلام، الجماعة تستخدم المفاوضات من أجل ترتيب وضعها لخوض عملية عسكرية جديدة، كونها تعيش وتستفيد من الحرب فقط، وبالتالي ستبحث عن أعذار ومبررات للدخول في عملية عسكرية جديدة”.
معركة فاصلة
وبرأي متحدث محور تعز العسكري، العقيد البحر، فإن تحرير تعز اليوم “ليست بنفس الصعوبة التي كانت سابقًا”، موضحًا أن “ما تحرر من تعز شيء كبير، والجيش اليوم أكثر خبرة وتدريب وتأهيل وتنظيم”.
وأهم عامل لإنجاز التحرير، وفق القائد العسكري، هو “توفر الإرادة مع القدرة، والأمر الثاني يتعلق بتوفر القرار السياسي والعسكري الأعلى، وتوفر الإرادة لدى صانع القرار والشركاء والحلفاء جميعًا في الداخل والخارج”، والأهم برأيه، هو “توفر الحد الأدنى من الإمكانيات المطلوبة لتنفيذ المهام”.
ووفق “البحر”، فإنه “إذا توفرت الإرادة وتوحدت الأهداف والأجندات الداخلية والخارجية سيخرج الحوثيون من صنعاء وصعدة حافيي الأقدام”.
ويأمل القائد العسكري بمحور تعز، أن يعمل رئيس مجلس القيادة الرئاسي على “توحيد الجهود وإقناع الأشقاء والتحالف في دعم الجيش والمقاومة وتوحيد القرار، وتوحيد الإرادة، وتوحيد البوصلة نحو العدو الأول والأخطر اليمنيين جميعًا، "جماعة الحوثي" وهي أيضًا خطر على الإقليم والجوار العربي والملاحة والسلم والأمن الدولي.
ومنذ 10 سنوات تفرض جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب، حصارًا خانقًا على المدينة بعد أن فشلت في السيطرة عليها، وكسر ذلك الحصار جزئيًا بعد فتح المنفذ الشرقي للمدينة (طريق الحوبان) تحت ضغوطات شعبية أجبرت الجماعة على فتحها.