|    English   |    [email protected]

السياسي والسفير اليمني ياسين سعيد نعمان لـ“برّان برس”: مأرب قدمت نموذجًا متميزًا في الدفاع عن قيم الدولة ويجب الاستفادة من تجربتها لضمان استقرار النظام الجمهوري

الأحد 15 سبتمبر 2024 |منذ شهرين
حوار خاص مع السياسي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان حوار خاص مع السياسي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان

برّان برس - حوار خاص

سلط السفير اليمني لدى المملكة المتحدة، الدكتور ياسين سعيد نعمان، الضوء على الدور الحيوي الذي لعبته "مأرب" في مقاومة انقلاب جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب منذ عام 2014، و"محاولات طمس الجمهورية في وعي الناس".

وقال “نعمان” في حوار مع “برّان برس”، تزامنًا مع “الذكرى العاشرة لتأسيس مطارح مأرب”، إن المحافظة العريقة قدمت نموذجًا متميزًا “في الدفاع عن قيم الدولة والجمهورية”، التي “ظلت حاضرة في وعي المجتمع بصورتها التي نشأت في مأرب”، مشيرًا إلى نجاحها في تحقيق تكامل بين الجهود العسكرية والمدنية لحماية مؤسسات الدولة ومنشآتها الحيوية، واحتضان المقاومة الوطنية.

وفي 18 سبتمبر/أيلول 2014، أقامت القبائل في مأرب معسكرات شعبية مسلّحة عرفت بـ“المطارح” بمنطقتي “نخلا والسحيل” شمالي غرب المحافظة ومن ثم في الأطراف الغربية والجنوبية، لمواجهة هجوم الحوثيين المتصاعدة بهدف السيطرة على المحافظة بالقوّة.

جاءت هذه الخطوة، التي تعد عرفًا قبليًا متوارثًا لمواجهة الأخطار، بعد نحو شهرين من تحشيدات الجماعة، واعتدائها على أبناء القبائل بالمناطق الحدودية مع محافظتي الجوف وصنعاء، وذلك عقب سيطرتها على مدينة عمران في يوليو/تموز 2014، ومع زحفها نحو العاصمة صنعاء وحتى إسقاطها في 21 سبتمبر/أيلول 2014.

وفي الذكرى العاشرة لتأسيس المطارح، أكد أول رئيس للبرلمان في دولة الوحدة، بداية تسعينيات القرن المنصرم، أن قبائل مأرب تصرفت كجزء من الدولة، متجاوزةً الانتماءات القبلية التقليدية لتصبح نموذجًا في دعم النظام الجمهوري، كما كانت وفية للدولة خلال فترة الانهيار، موضحًا أن حماية الدولة تتطلب حماية القبيلة في إطار تطور طبيعي نحو النمو الحضري والمدني.

وأضاف الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي اليمني، أن الأحزاب اليمنية ما زالت تعاني من أزمات داخلية أثّرت على قدرتها في تشكيل جبهة موحدة ضد الحوثيين، داعيًا إلى تقييم الذات داخل هذه الأحزاب وإصلاح الأزمات القديمة لتفعيل دورها في المعركة من أجل استعادة الدولة.

وشدد على أهمية الاستفادة من تجربة مأرب في تحقيق التكامل بين المجتمع والأحزاب والسلطة المحلية؛ لضمان استقرار النظام الجمهوري وتعزيز قيم السلام والتعايش في مواجهة الأخطار المستمرة.

نص الحوار: 

- في الذكرى العاشرة لتأسيس "مطارح مأرب"، كيف تابعتم، دكتور ياسين، موقف وأداء السلطة المحلية بمأرب أثناء التصدّي لانقلاب مليشيا الحوثي على المحافظة عام 2014، ودورها في توحيد الجهود وتحقيق التكامل لحماية المحافظة والمؤسسات السيادية والمنشآت الحيوية فيها، وصولًا إلى احتضان المقاومة اليمنية، ومشروع استعادة الدولة؟

تابعت كغيري من اليمنيين دور ومكانة مأرب في التصدي للانقلاب الحوثي المدعوم من إيران، وهو الدور الذي أخذ يتسع نطاقه عسكريًا ومدنيًا وعمرانيًا، بمعنى أن مأرب استطاعت أن تقوم بمهمة الدفاع عن الجغرافيا وعن قيم الدولة والجمهورية في الوقت نفسه.

ظلت الدولة حاضرة في وعي المجتمع بصورتها التي نشأت هنا في مأرب، وكان هذا أحد عناوين مقاومة محاولات طمس الجمهورية في وعي الناس، والذي استهدفه الانقلاب الحوثي ومشروع إيران الطائفي التوسعي. وهو بالتأكيد عمل اتسم بدرجة عالية من الكفاحية الوطنية.

لقد كان أمام القيادة المحلية بقيادة الأخ الشيخ سلطان العرادة، الزميل السابق في أول مجلس للنوب لدولة الوحدة، مهمة خوض التحدي الأكبر في التمسك بهذا الجزء الغالي من الدولة اليمنية: جغرافيا، ومنظومة قيم الدولة.

لقد كتبت عن ذلك كثيرًا، وأمام القيادة المحلية لا زالت مهام مواصلة تعبئة كل مأرب المحررة منها، وتلك المقموعة من قبل الحوثي على السواء بنفس الروح الوطنية التي اكتسبت منها مأرب مكانتها في محطة من أهم المحطات التاريخية في الدفاع عن الدولة اليمنية، وبمساواة بين الجميع تجسد النموذج الذي يتطلع إليه اليمنيون وهم يقدمون التضحيات من أجل استعادة دولتهم.

- ما تقييمك للدور الذي لعبته قبائل مأرب في مقاومة انقلاب مليشيا الحوثي، وما دلالات هذا الموقف؟ وما الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه التجربة؟

القبيلي الذي يضطلع بهذه المهمة الوطنية لا بد من النظر إليه كمواطن دولة. مواطن يخرج من مطرح القبيلة إلى فضاء الدولة الذي أصبحت مأرب نموذجًا له منذ أن استوعبت قيم الدولة وواجهت كل محاولات احتضانها بمشاريع قبلية أو حزبية أو ما دون الدولة. وهو لم يعد ذلك القبيلي المحاصر في مطارح القبيلة ومتطلبات حمايتها ومقاومتها لـ"تعديات" الدولة، فقط اتضح للجميع أن حماية الدولة يتضمن تلقائيًا حماية القبيلة وحقوقها في التطور الطبيعي الحضري والمدني.

في لحظة انهيار كيانية الدولة، كانت القبيلة في مأرب حاضرة بقوة لمواجهة تحديات مرحلة ما بين الانهيار من جانب، والتقاط أنفاس الدولة واستعادة مؤسساتها الوطنية من جانب آخر. ويمكن القول هنا إن القبيلة تصرفت كجزء حي ومسؤول في دولة أخذت تتهاوى، وأثبتت أنها وفيّة للدولة، وأكثر مكونات الدولة تمسكًا بقيم الدولة.

كثير من أبناء مأرب كانوا يشكون من أن مأرب كانت تعاني من سياسة الحكم المركزي الذي أبقاها في قبضة نظام قبلي يقيم علاقته بالدولة عبر الوجاهات القبلية وليس من خلال مؤسسات الدولة، والحقيقة أن العوامل التي أسقطت هذه المركزية فيما بعد، خلقت في اللحظة التاريخية نفسها عوامل مصاحبة أدت على نحو سريع إلى استيعاب قيم الدولة، وهيَّأت الشروط الموضوعية والذاتية لمؤسسات الدولة، مما يعني أن القبيلة هي مكون اجتماعي انتقالي لا يلبث أن يصبح جزءًا من الدولة حينما يوجد نظام سياسي- اجتماعي يساعدها على هذا التطور الطبيعي. ولذلك، لم يكن غريبًا على القبيلة في مأرب أن تدافع عن الدولة في أهم محطة تاريخية كما قلنا.

- ما تقييمك لموقف أحزاب مأرب، ودورها في مواجهة انقلاب مليشيا الحوثي والتحامها بالقبائل وتلاحمها مع قيادة السلطة المحلية لمواجهة الخطر الوجودي؟

أعتقد أن الأحزاب بصورة عامة لم تستطع أن تتجاوز أزماتها الذاتية التي أنتجتها ظروف سابقة، فصراعات الماضي كانت- وما زالت- سببًا في تكريس أزمة الثقة فيما بينها، الأمر الذي يحتاج، أولًا، إلى تقييم ذاتي داخلي لكل حزب، ثم إلى مكاشفات تستخلص طبيعة الأخطاء وكيفية معالجتها لتتمكن من خلق حالة سياسية وطنية خالية من عقد الماضي ومشاكله. 

إذا ظل الماضي يتحكم في المسار السياسي الحزبي فسيكون ذلك سببًا في خلق المزيد من التعقيدات أمام معركة استعادة الدولة. إذا لم ينخرط المجتمع سياسيًا وشعبيًا في هذه المعركة المصيرية، فإنها ستفقد زخمها، وحينها ستتوقف عند عناوين جامدة ومستهلكة. والأحزاب والقوى السياسية هي المعوّل عليها في استقطاب المجتمع بكل طبقاته وشرائحه ونحله إلى خوض هذه المعركة المصيرية. من هنا نستطيع أن نستوعب دور الأحزاب والمنظومة السياسية ككل.

- كيف يمكن الاستفادة من تجربة مأرب في تحقيق التكامل بين المجتمع والأحزاب والسلطة المحلية لتحقيق التنمية ومواجهة الأخطار المهددة للنظام الجمهوري وقيم السلام والتعايش؟

إذا أردت أن تستوعب أسباب إصرار مليشيات الحوثي الانقلابية المتكرر على إسقاط مأرب، فيجب عليك ألّا تسقط هذا النموذج الذي أوجدته مأرب للدولة من بين الأسباب الحقيقية لهذا الإصرار. أشد ما يزعجها هو هذا النموذج الذي أبقى الجمهورية حاضرة في وعي الناس. 

ولذلك، كلما استطعنا أن نبقي الجمهورية حاضرة في الوعي بنموذج متماسك ومستقر للدولة في كل الجغرافيا المحررة، فإننا نكون قد قطعنا شوطًا باتجاه تعبئة المجتمع وانخراطه في المعركة من أجل استعادة الدولة والدفاع عن النظام الجمهوري.

مواضيع ذات صلة