|    English   |    [email protected]

قيادات أحزاب مأرب يتحدثون لـ“برّان برس” عن كيف أسقطت أحزابهم “رهان” الحوثيين وأعادت الأمل باستعادة الدولة

الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 |منذ شهرين
بران برس بران برس

برّان برس- وحدة التقارير:

بداية العام 2015، تفاجأ اليمنيون بتحالف حزب المؤتمر الشعبي العام بمحافظة مأرب (شمالي شرق اليمن)، مع أحزاب “اللقاء المشترك” بالمحافظة، وفي مقدمتها التجمع اليمني للإصلاح.

أُعلن هذا التحالف رسميًا في “بيان مشترك” هو الأول من نوعه، بتاريخ 12 يناير/تشرين الثاني ٢٠١٥، وقّعه عن المؤتمر، رئيس فرعه بمأرب الشيخ عبدالواحد القبلي نمران، وعن “اللقاء المشترك”، رئيس “إصلاح مأرب” الشيخ مبخوت بن عبود.

أكّدت “أحزاب مأرب”، في بيانها الذي وصف بـ“التاريخي”، رفضها تمدد الحوثيين بقوّة السلاح، مؤكدة أنها لن تسمح “بدخول أي مليشيات تعبث بأمن واستقرار محافظتنا”. 

وأعلنت في البيان، وقوفها إلى جانب “قبائل مأرب” المحتشدة في “المطارح” بالأطراف الشمالية والغربية والجنوبية للمحافظة، لمواجهة حشود مسلّحي الحوثي التي تحاول اجتياح المحافظة الغنية بالنفط والغاز، والسيطرة عليها.

تجاوز الخلافات

حول ذلك الموقف، قال نائب رئيس “مؤتمر مأرب”، سعود اليوسفي، في تصريح لـ“بران برس”، إن “المؤتمر والإصلاح تحالفا أولًا”. مضيفًا أن التحالف بين هذين “الحزبين القويين” في المحافظة جرى “رغم وجود العديد من الخلافات من آثار 2011”.

وأضاف أن “المؤتمر وحلفاءه بقيادة الشيخ عبدالواحد القبلي، والإصلاح وشركاؤه برئاسة الشيخ مبخوت بن عبود، وكل قيادات أحزاب مأرب قررت توحيد موقفها السياسي، وكان ذلك البيان الشهير (البيان المشترك الأول)”.

من جانبه، قال رئيس “إصلاح مأرب”، الشيخ مبخوت بن عبود، في تصريح لـ“بران برس”، إن الموقف اُتخذ، حينها، بينما كانت القيادات المركزية للأحزاب ما تزال موجودة في العاصمة صنعاء، ولم تتخذ قرارًا بالمواجهة، رغم اجتياح الحوثيين لها بالقوّة.

وبدلًا من ذلك، قال إنها “ذهبت بطلب من المبعوث الأممي، جمال بنعمر، للتوقيع على وثيقة السلم والشراكة مع الحوثيين، عسى ولعل أنها تجنب اليمن ما وصلت إليه من ويلات الحرب والدمار”. 

وأضاف: “لكن للأسف الشديد أن الحوثي لا يلتزم بهذه المواثيق، ولا بالعهود، ولا بالصلح، بل يرميها خلف ظهره إذا علم أنه سيحقق ما يريد بالقوة”.

عندها، قال الشيخ بن عبود، إن “أحزاب مأرب” اجتمعت واتخذت قرار مواجهة الحوثي، ودعت أعضائها والموالين لها للالتحاق بالقبائل في “المطارح”، وهذا كان ضد رغبة وعلم القيادات المركزية في صنعاء. واصفًا ذلك الموقف بأنه “خطوة ممتازة تحسب لأحزاب مأرب، وقواها السياسية”.

ردود غاضبة

بخلاف مواقفها المبكرة الرافضة لانقلاب الحوثي وانخراطها في المقاومة المجتمعية للدفاع عن المحافظة، أثار البيان المشترك لأحزاب مأرب، وإعلان موقفها الموحّدة خلف قيادة السلطة المحلية والقوى المجتمعية، ردودًا واسعة بصنعاء، تنوعت معظمها بين التشكيك في الموقف المعلن، وتشويه الأحزاب، وتخوين قياداتها.

وتأكيدًا للموقف المشترك، أوضح الشيخ عبدالواحد القبلي، في تصريح صحفي حينها، أن البيان يمثل موقف كل قيادات وقواعد “مؤتمر مأرب”، مؤكدًا أن المؤتمر وحلفاءه بمأرب والمشترك وشركاؤه وفي مقدمتهم “الإصلاح” تعاهدوا على تغليب مصلحة مأرب على كل المصالح الشخصية “حتى وإن تعارضت مع توجهات المركز”.

وعن ردود حزبي المؤتمر والإصلاح تحديدًا، أوضح الشيخ بن عبود، في حديثه لـ“بران برس”، أن “المؤتمر اعتبر فرعة في مأرب قد تمرد عليه، بينما تواصل معنا قادة الإصلاح في صنعاء، وقلنا لهم: هذا خيارنا، ونحن سنضع أيدينا بأيدي القبائل، ولن نكون بعيدًا عنهم، وفي هذه اللحظة لم يعتبوا علينا، وقالوا على بركة الله أنتم جزء من قبائلكم”.

من جانبه، قال أمين سر فرع التنظيم الناصري بحافظة مأرب، علي بقلان، في تصريح خاص لـ“بران برس”، إن القيادات المركزية للأحزاب “احترمت خياراتنا، ولم يصدر منهم ما يعارض خياراتنا”.

وأضاف: “نحن والقيادات المركزية متفقين على قواعد العملي السياسي، ولدينا حرية اتخاذ القرار بحيث يكون القرار معبرًا عن الإرادة الجمعية لقيادة الفرع، ومصلحة التنظيم، ومصلحة المجتمع في المحافظة”. مضيفًا أن “المجتمع الذي نعيش فيه وما اتخذناه من قرارات كانت من صلاحياتنا”. 

مقاطعة المركز

لم تتوقف الأحزاب في مأرب، عند اتخاذ مواقف وقرارات “مصيرية” تختلف عن توجهات ونهج قياداتها المركزية، بل تجاوزت ذلك إلى انتقاد تعاطي قياداتها العليا مع الحوثيين وممارساتهم “المقوّضة للدولة والمهددة لأمن البلاد”.

في 24 يناير/تشرين الثاني 2015، أصدرت أحزاب “اللقاء المشترك” بمأرب، بيانًا استنكرت فيه عقد قيادات أحزابها المركزية في صنعاء “لقاءات" مع جماعة الحوثي، رغم الوضع “الكارثي” الذي أوصلت البلاد إليه.

واستعرض البيان جانبًا من انتهاكات الحوثيين التي وصفها بـ“الممارسات الهمجية واللامسؤولة، والتصرفات الرعناء“، موضحًا أن آخرها حنيذاك “اقتحام رمزية الوطن بمؤسسته الرئاسية، ومحاصرة الرئيس الشرعي لليمن”.

وعبّرت الأحزاب، في البيان، عن أسفها “أن نرى قيادات أحزابنا في المركز وهي تعقد تلك اللقاءات مع جماعة انقلابية استهدفت السلم الاجتماعي، وقوّضت الدولة، ودفعت البلد إلى المجهول”، معتبرةً تلك اللقاءات “بمثابة مد طوق النجاة لتلك العصابات الانقلابية الإجرامية“.

وقالت إن “ما يثير الاستغراب أن تلك المليشيات التي وقع ممثلوها في الحوار الوطني على مخرجات الحوار الوطني الشامل مع كافة المكونات السياسية... انقلبت على ذلك الإجماع، وعلى كل الاتفاقات المبرمة حتى وصل بها الأمر إلى الانقلاب على السلطة الشرعية مستخدمة قوة السلاح الذي نهبته من مؤسسات الدولة”.

وأكّدت أن “أي اتفاقات في صنعاء لا تمثلنا في محافظة مأرب”. داعية قيادات أحزابها المركزية إلى “ترك أي حوارات أو اتفاقات مع تلك العصابة المليشاوية التي أوصلت البلد إلى ما نحن فيه اليوم”.

وفي 20 أغسطس/آب 2014، كانت القيادات المركزية للدولة والأحزاب السياسية قد أقرت تشكيل لجنة تمثّل كافة القوى السياسية لمقابلة زعيم جماعة الحوثي في “مخبئة” بمحافظة صعدة (أقصى شمال اليمن)، لحثه على التراجع عن تهديداته بمحاصرة العاصمة صنعاء، إلا أن الأخير أعلن، بعد ساعات من انعقاد اللقاء، ما أسماه “المرحلة الثانية من التصعيد”.

وبلغ بأحزاب مأرب حد إعلانها رفض توجيهات قياداتها، حيث قال رئيس “إصلاح مأرب” أمام اللجنة البرلمانية التي زارت المحافظة حينذاك: “نحن نسمع ونطيع لأحزابنا في إطار معين أما على حساب محافظتنا لا سمع لهم ولا طاعة”. مضيفًا: “نحن جزء من قبائلنا ونسمع ونطيع لها، ولا نسمع ولا نطيع من يريد أن يحدث أي مشكله بمأرب”.

صمود مأرب

عن الموقف المأربي العام، قال “اليوسفي”: “عندما سقطت العاصمة انطلق الناس إلى المطارح، قبل أن يأتي التحالف، وقامت الأحزاب السياسية والمجتمع القبلي بما فيها المؤتمر والإصلاح والإشتراكي والناصري والبعث والرشاد وكل الأحزاب”. متحدثًا عن “دور كبير” اضطلع به محافظ مأرب، الشيخ سلطان العرادة، في “توحيد اللحمة السياسية والعسكرية والقبلية”.

وجرى حينها، وفق السياسي اليوسفي، تفعيل المادة الدستورية التي تخوّل أي محافظة، عندما تسقط الدولة، بتفعيل “لجنة الدفاع والأمن” برئاسة المحافظ، وبمشاركة قائد المنطقة العسكرية والأجهزة الأمنية والأحزاب السياسية، “وكان المؤتمر ضمن الموقف الرافض للقرار في صنعاء، ووقف إلى جانب الوطن والشرعية”.

واستجابة للتطورات، قال إنه “لم يكن أمامنا سوى أن نقطع علاقتنا مع صنعاء سياسيًا وإداريًا، وكذلك اتخذنا موقف الحشد والتحشيد ورص الصفوف لمواجهة الحوثي الذي غزا مأرب”.

وفي 24 يناير/تشرين الثاني 2015، كانت اللجنة الأمنية بمحافظة مأرب، قد عقدت اجتماعًا مشتركًا استثنائيًا برئاسة المحافظ، الشيخ سلطان العرادة، وبمشاركة قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية، لمناقشة تطورات الأحداث خصوصًا بعد استقالة الحكومة ورئيس الجمهورية تحت ضغوط الحوثيين.

واعتبر الاجتماع ما جرى في صنعاء “انقلابًا” على الشرعية الدستورية، وعلى مخرجات الحوار الوطني، واتفاق السلم والشراكة. وأقر عدم التعامل مع أي توجيهات تصدر من العاصمة، مؤكدًا أن “قيادة السلطة المحلية، واللجنة الأمنية، والقوى السياسية هي المسؤولة عن تسيير وإدارة شئون المحافظة، والمصالح العامة فيها”.

سر القوّة والصمود

عن سر قوّة وتفرّد الموقف المأربي، أوضح الشيخ بن عبود، أن “الحوثي حاول في البداية أن يستخدم أسلوبه، كما استخدمه في بعض المحافظات، وهي الترغيب والترهيب لكنها لم تنطلي علينا”، مضيفًا: قررنا من أول يوم المواجهة”. مضيفًا في حديثه لـ“برن برس”: “ولا يمكن أن نسير في موادعة مع الحوثي، وكان قرارًا حكيمًا وصائبًا عرفنا فوائده اليوم بعد مضي 10 سنوات”.

من جانبه، قال القيادي الناصري، علي بقلان: “كان دافعنا الأول هو عشقنا للحرية والعزة والكرامة، وانطلاقاً من القيم والأخلاق التي تشربناها مع حليب أمهاتنا، والتي غرست فينا نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وإكرام الضيف”.

وأضاف “بقلان”، أن “هذه القيم هي سر قوتنا وصمودنا، والكثير من الناس داخل البلاد وخارجها يجهلون هذا السر الذي يمنحنا القوة والطاقة في مواجهة القتلة والظالمين”.

تعزيز الموقف وتأكيد الشرعية

وعن أهمية موقف القوى السياسية بمأرب إلى جانب السلطة المحلية والقبائل، “بقلان”، إنه شكّل “بارقة أمل لأحرار اليمن والمظلومين، ومثلت أرضية صلبة يمكن التوجه نحوها والانطلاق منها، هذا ما حدث بالفعل”.

وأضاف أن الأحزاب ساهمت في “تعزيز وحدة أبناء المحافظة، والمتواجدين فيها، وعملت على تعزيز وحدة القوى المتواجدة فيها من أمن وجيش وقبائل ووفرت المشروعية من خلال توفير الغطاء السياسي والاعلامي ورفع معنويات الجميع والتمسك بمؤسسات الدولة والحفاظ على كل ما يدل على وجود الدولة والنظام والقانون”.

من جانبه، قال رئيس إصلاح مأرب، إن تلك “الوقفة التي وقفناها كقوى سياسية وسلطة وجيش وأمن وقبائل ومقاومة في محافظة مأرب لم يحدث هذا الإجماع بهذا الشكل في أي محافظة يمنية”، موضحًا أن ذلك الموقف شكّل “إلهام” لبعض المحافظات لمواجهة جماعة الحوثي في جميع الجبهات.

وأكد الشيح بن عبود، أن “الأحزاب في مأرب ساهمت مساهمة كبيرة في تثبيت شرعية الدولة في محافظة مأرب، ودافعت عن النظام الجمهوري”.

قرار تاريخي وهدف واحد 

رئيس فرع حزب الرشاد بمأرب، عبدالرحمن المرادي، وصف موقف “أحزاب مأرب”، بأنه قرار “تاريخي”. وقال في تصريح خاص لـ“بران برس”، إن “هذه القوى السياسية توحدت مع السلطة المحلية، والمنطقة العسكرية الثالثة، والأجهزة الأمنية، وكل الوحدات العسكرية الموجودة في محافظة مأرب بقرار تاريخي لمواجهة المليشيا الحوثية”.

وأضاف “المرادي”، أن أبناء مأرب “بكافة شرائحهم ومكوناتهم السياسية والاجتماعية جمعهم هدف واحد، هدف عظيم وسامي، وهو أن يدافعوا عن كرامتهم وجمهوريته وهويتهم ويمنيتهم وعروبتهم”.

وأكد أن مأرب استطاعت “بقبائلها وبقواها السياسية والاجتماعية والأمنية والعسكرية توحيد صف مأربي يمني جمهوري، وأن تحافظ على مداميك الجمهورية وتدافع عن محافظة مأرب”.

ورغم سلاحهم وعتادهم “البسيط” إلا أنهم استطاعوا “كسر“ الحوثيين لأن “لديهم هدف هو الدفاع عن هويتهم وكرامتهم ومحافظتهم وعن وطنهم”، وفق السياسي المرادي.

مسؤولية وطنية

من جانبه، وصف أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي القومي بمأرب، الدكتور يحيى القانصي، موقف أحزاب مأرب بأنه “عظيم وتاريخي، وحّد اليمنيين حول فكرة وضع المصالح الوطنية فوق الخلافات السياسية”.

وقال “القانصي”، في تصريح لـ“بران برس”، إن “الأحزاب السياسية في مأرب، أظهرت مسؤولية وطنية من خلال تجاوز الخلافات الأيدلوجية لصالح حماية المحافظة من الحوثيين”. 

وأضاف أن الأحزاب في مأرب “كانت، ولا زالت، أول من خلع عباءة توجيهات القيادات العليا، وانضمت إلى جانب الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، وأبناء مأرب صفًا واحداً في الدفاع عن المحافظة، الأرض والإنسان”.

ولهذا قال إنها “تركت الخلافات السياسية والأيدلوجية من أجل حماية المحافظة، وهو ما جعلها تمثل درساً في أهمية وضع المصالح الوطنية العليا فوق كل الاعتبارات”.

سقوط الرهان

طيلة سنوات الحرب، تصدر النموذج الذي قدّمته مأرب، نقاشات المهتمين بالشأن اليمني، والذين أكّدوا نجاحه في إسقاط رهان الحوثيين على خلافات المكونات السياسية والمجتمعية للتمدد والسيطرة على البلاد، ومثّل أملًا للشعب اليمني بإمكانية توحيد مواقف القوى الوطنية لإنهاء الانقلاب واستعاد الدولة.

وما زاد أهمّية “نموذج مأرب”، وفق المراقبين، أنه أعقب الانقسام السياسي الحاد الذي شهدته البلاد لأكثر من عقد، والذي مهّد لجماعة الحوثي التوسّع خارج معقلها الرئيس بمحافظة صعدة (أقصى شمال اليمن)، وصولًا لإسقاط العاصمة صنعاء.

ولا يستبعد القيادي بمؤتمر مأرب، سعود اليوسفي، تكرار هذه التجربة وتوسّعها. مؤكدًا في ختام حديثه لـ“بران برس”: “لا شك. في السياسة هناك جديد. وعبر موقع بران برس، أقول: ستشهدون في الأيام القادمة قيام ائتلافات، وخارطة طريق سياسية على مستوى البلد، وعلى مستوى مأرب. ومثلما صمد الناس في 2014 و2015 ها هم اليوم يصمدون في مواقف سياسية ووطنية ستستمر إن شاء الله وسيكون لها موقف”.

مواضيع ذات صلة