|    English   |    [email protected]

بين الزيف والحقيقة.. أبرز 6 شائعات روَّجها الحوثيون لتشويه أبناء مأرب داخلياً وخارجياً

الخميس 19 سبتمبر 2024 |منذ شهرين
بران برس بران برس

تقرير خاص أعده لـ“برّان برس”- فارس يحيى:

في سبتمبر/أيلول 2014، احتفظت الذاكرة اليمنية بمشهدين بارزين، مثَّلا مسارًا للصراع المحتدم في البلاد طيلة العقد الأخير، بين “مشروع الدولة” الذي تمثّله الحكومة المعترف بها والمكونات الوطنية الداعمة لها، و“مشروع الحرب والدمار” ممثَّلًا بجماعة الحوثي المدعومة من إيران.

يتمثّل المشهد الأوّل في اجتياح الجماعة الحوثية للعاصمة صنعاء، والسيطرة على مؤسسات الدولة ونهبها أمام أنظار العالم، يقابله مشهد “قبائل مأرب” وهم يتدافعون للذود عن الدولة والنظام الجمهوري والمصالح العامة.

تشويه وتحريض

في حين مثّلت مأرب النفطية (شمالي شرق اليمن)، صخرة صلبة تحطم عليها مشروع الحوثي الممول إيرانيًا، فقد تزامن هجوم الجماعة عليها مع حملات دعاية “واسعة” هدفت لتشوية “قبائل مأرب“ وتأليب الرأي العام ضدّهم.

من خلال تتبع الخطاب الإعلامي الحوثي، وبالأخص خلال العام 2014، يظهر أنهم سخّروا لهذه الحملات “أموالاً طائلة”، وجنّدوا لها صحفًا ووكالات دولية، إلى جانب آلتهم الإعلامية الضخمة”، بما فيها الصحف والفضائيات والإذاعات ومواقع التواصل الاجتماعي. 

وتعد أوّل حملة تشويه وتحريض علنية ضد القبائل اليمنية. فما سبقها من حملات كانت تتم تحت غطاء مكونات حزبية أو مجتمعية؛ وجميعها تصوّر القبيلة بأنها “نقيض الدولة، والعدو التاريخي الذي يحول دون تطور اليمن”.

ضد الإرهاب والتشويه

مع بدء الهجوم الحوثي على مأرب، كانت محافظة مأرب قد شهدت “أعمالًا تخريبية مكثّفة ومفاجئة” طالت خطوط الكهرباء وأنابيب نقل النفط، لتسارع ماكينة الدعاية الحوثية اتهام القبائل بالوقوف خلفها، وتحشيد المواطنين لاجتياح المحافظة بحجّة تأمين المنشآت والمصالح الحيوية فيها.

ولتفنيد هذا الخطاب الذي أغرق الرأي العام بالمعلومات المضللة، عقدت “قبائل مأرب” اجتماعًا لها بتاريخ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وأصدرت بيانًا أوضحت فيه أن هدفها من الخروج إلى أطراف المحافظة هو مواجهة أي اعتداء على “أرضنا وأعراضنا”. مجددة موقفها “الثابت، والمبدئي ضد الإرهاب، والتخريب”.

وقالت إنها تحتفظ “بأسماء المخربين، والجهات التي تقف وراءهم” داخل المحافظة، مبيّنة أن هدف تلك الأنشطة هو “تشويه سمعة أبناء مأرب الأبطال، وإيجاد ذرائع واهية لمن يريد الاعتداء على المحافظة (الحوثي)”. 

وأكّدت أن “حماية الوطن، والمواطن، والمصالح السيادية هي مسئولية الشرعية الدستورية عبر سلطتها التنفيذية ولا يحق لأي جهة كانت أن تحل محلها”. وهو ما سبق وأكّدته القبائل مرارًا ضمن مواقفها الثابتة الداعمة للدولة.

وجددت القبائل التأكيد أن مأرب ستكون “مقبرة لأي معتدٍ على شرف، وكرامة أبنائها، ولكل خارج على الشرعية الدستورية والاجماع الوطني”. متوعدة من يقف مع الحوثيين أو يساندهم بأنه “سيكون خصمًا لقبائل المحافظة”. وكذلك من “يحرض إعلاميًا على أبناء مارب، ويشوه صورتهم”.

وفي بيان لاحق أصدرته اليوم ذاته، أشادت القبائل المأربية بدور المؤسسة العسكرية والأمنية بالمحافظة، مشيدة بتصدّيها لعناصر تخريبية حاولت الاعتداء المحطة الغازية، وقطع خط صافر- مأرب.

واعتبرت نجاح الجيش في دحر وتعقب تلك العناصر “دليل على أن المؤسسة العسكرية لا زالت قادرة على القيام بواجبها”. مؤكدة وقوفها مع المؤسسة العسكرية لحماية المصالح العامة والمنشآت الحيوية وتأمين الطريق الدولي.

فيما أدان اجتماع موسع ضم قيادات السلطة المحلية بمحافظة مأرب ورؤساء الأحزاب ومشائخ القبائل في 21 يناير/تشرين الأول 2015، الهجمة الإعلامية الموجهة ضد مأرب وأبنائها والتي تصورهم بما ليس فيهم. داعيًا “شرفاء الشعب للوقوف إلى جانب أبناء مأرب فيما يتعرضون له من استهداف تحت غطاء إعلامي جهوي مدمر وعدواني”.

أبرز 6 شائعات

في هذا التقرير يرصد “برّان برس”، أبرز 6 شائعات روّجها الحوثيون منذ بداية حروبهم التوسّعية وصولًا لاجتياحهم العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2024، بهدف تشويه أبناء مأرب، والتحريض ضدّهم داخلياً وخارجياً. 

- الشائعة الأولى: إرهابيون

تركّز جزء كبير من حملة “التحريض والتشويه” الحوثية على تصوير مأرب على أنها محضن للقاعدة، وأبناءها “مجرمون” وأعداء للنظام؛ بهدف تأليب المجتمع ضدّهم، واستمالة الدول الغربية لمساندة هجومها على المحافظة.

وكان زعيم جماعة الحوثي، قد هدد بداية يناير/كانون الثاني 2015، باجتياح محافظة مأرب تحت مبرر حمايتها ممن سماهم “التكفيريين والقاعدة”. واصفًا، في كلمة متلفزة، قبائل مأرب بأنهم “مجرمون”. 

في الشهر ذاته، كانت جماعة الحوثي تتعمد تزويد الوكالات الدولية بمعلومات مضللة عن الأحداث في مأرب تظهر فيها القبائل كمتطرفين، ومن على سبيل المثال خبرًا أوردته قناة الـ”CNN” قبل أن تعتذر عنه لاحقًا بعد أن دعتها قبائل مأرب للاعتذار عن الخبر “المضلل والمنحاز”، واعتبرته “تحريضًا مباشرًا على قبائل المحافظة”.

واعتبرت “قبائل مأرب”، في بيان نشرته حينها، أن وصف الـ”CNN” لها بـ“المسلحين المتطرفين” وتضمين الخبر معلومات غير صحيحة عمل غير مهني هدفه تضليل الرأي العام وتزييف الحقائق، ويخدم أطرافًا معادية لمأرب.

وحينها، كان نشطاء محليون قد أطلقوا حملة إعلامية واسعة للدفاع عن أبناء مأرب وقبائلها تحت وسم #ملوك_سبأ_ليسو_قاعدة.

في هذا السياق، كشف قائد محور بيحان، قائد اللواء 26 مشاة ميكا، اللواء الركن “مفرح بحيبح”، عن مخطط “لضرب مأرب من خلال إلصاق تهمة الإرهاب بأبنائها وتصويرهم، بأنهم جماعات مسلحة إرهابية”. موضحًا، في حديثه خلال الحلقة الثانية من “بودكاست برّان”، أن ذلك المخطط “جاء بعد إطلاق تسمية محور الشر على مأرب وما جاورها، حيث كانوا يصورون القبيلة أنها رأس الإرهاب”.

- الشائعة الثانية: مخربون

الشائعات الحوثية ضد “قبائل مأرب” شملت اتهامهم بتعطيل الخدمات المتعلقة بمعيشة اليمنيين اليومية، والمتمثّلة في النفط والغاز والكهرباء، وهدفت لتأليب المجتمع وحشدهم للقتال معها بحجة تأمين المصالح العامة.

كما أطلقت شائعات لتشوية أبناء مأرب في الخارج، بتصويرهم كـ“إرهابيين” يستهدفون شركات النفط الدولية، ويهددون الإمدادات النفطية للعالم. وعملت على تحريض الأمريكان على قصف “مطارح” القبائل التي تشكّلت لمنع الجماعة من السيطرة على المحافظة بقوّة السلاح.

من جانبها، استنكرت القبائل المأربية، منذ البداية، الأعمال التخريبية التي شهدتها المحافظة حينها، وساهمت مع الأجهزة الحكومية في تعقب المخربين وحماية المؤسسات السيادية والمنشآت الحيوية والمصالح الخدمية.

فيما أكدت قيادة السلطة المحلية، في أكثر من مناسبة استعدادها لإعادة الكهرباء الغازية إلى صنعاء، إلا أن الحوثيين رفضوا ذلك العرض، بل واستهدفوا الفرق الفنية أثناء قيامها بإصلاح أبراج نقل الطاقة شرق صنعاء.

مؤخراً، أثبتت جماعة الحوثي عمليًا تفرّدها بأعمال التخريب والتدمير في البلاد، وظهر هذا سواء من خلال التهديدات العلنية لقياداتها أو عبر الاستهداف المسلّح للمنشآت الحيوية المتعلقة بحياة اليمنيين وللملاحة الدولية.

ففي أكتوبر/تشرين الأول 2022، استهدفت موانئ تصدير النفط بمحافظتي شبوة وحضرموت (شرق اليمن)، ومنعت التصدير ما تسبب في انقطاع مرتبات الموظفين ومضاعفة الأزمة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني.

ومؤخرًا، استهدف الحوثيون شركة صافر في مأرب، كبرى الشركات الوطنية لإنتاج النفط والغاز، بثلاثة طائرات مسيّرة تصدّت لها قوات الجيش. وقبلها قصفوا أنبوب نقل النفط بمنطقة “صرواح” غربي مأرب المؤدي إلى منطقة “رأس عيسى” بمحافظة الحديدة.

وسبق هذه العمليات وتلاها، تهديدات لقيادات حوثية باستهداف هذه المصالح وتعطيلها، ومنها “حسين العزي”، نائب وزير الخارجية في حكومة الجماعة غير المعترف بها، الذي هدد باستهداف صافر وأي شركة دولية تأتي لإجراء الصيانة العمرية لغازية مأرب، زاعمًا أن مأرب تحتكر النفط والكهرباء.

ومنذ أواخر العام الماضي، بدأت الجماعة رسميًا باستهداف السفن التجارية المارة عبر باب المندب، وتسببت بإحراق وإغراق عدد منها، وتعتبر أن هذه الأعمال التي أضرّت بإمدادات النفط لدول العالم أجمع أعمالًا بطولية.

- الشائعة الثالثة: قطاع طرق

ضمن الشائعات التي جرى ترويجها لتشويه أبناء مأرب وصفهم “قطاع طرق”، واتهامهم بقتل المسافرين ونهب ممتلكاتهم ومقتنياتهم، مستغلّة بعض الحوادث الفردية. إلا أن هذه تلاشت مع تدفق ملايين النازحين إلى مأرب أو السفر عبرها، والذين تأكد لهم أن ما سمعوه “لا يتعدى كونه دعاية سوداء ذات هدف سياسي”.

ومع إغلاق جماعة الحوثي الطرق الرئيسية المؤدية من/إلى مأرب، واستحداثها نقاطًا في مداخل الطرق الفرعية، وتقوم خلالها بنهب المسافرين واختطافهم والتنكيل بهم، ورفضها كل المبادرات المحلية والأممية والدولية لفتحها، تأكد لليمنيين والعالم أن الجماعة هي من تقطع الطرقات وتتعمّد تضييق حياة اليمنيين وتقييد تنقلاتهم.

وكان محافظ مأرب، الشيخ سلطان العرادة، قد أعلن مبادرة لفتح طرق “مأرب- صنعاء” من طرف واحد، إلا أن الحوثيين رفضوا فتحتها من قبلهم، وبالأخص طريق “مأرب-نهم-صنعاء” كونها الأقرب والأسهل للمسافرين.

فيما نفّذ أبناء مأرب والجوف العديد من المبادرات طيلة السنوات الأربع الماضية لحماية المسافرين في الطرق الصحراوية البديلة بين المحافظتين، والتي اضطر المسافرون لعبورها بسبب إغلاق الجماعة للطرقات الأسفلتية.

عضو مجلس الشورى اليمني، الشيخ علوي الباشا بن زبع، قال في الحلقة الأولى من “بودكاست بران”، التي بثت منتصف مايو/أيار الماضي، إنه “في فترة سابقة أشيع ضد أبناء مأرب أنهم قطاع طرق، وكانت صورة أبناء مأرب مشوهة لدى الكثير حتى جاء انقلاب الحوثي وصمدت مأرب في وجهه وتغيرت تلك النظرة المغلوطة”.

واعتبر الشيخ علوي، وهو أحد أبرز مشائخ محافظة مأرب، أن “رفض مأرب انقلاب جماعة الحوثي وتصديها له، وصمودها أمامه أبطل نظرية مثلت الشر التي أشيعت ضد مأرب والجوف وشبوة”. 

وأكد أنه بعدما وصفه بـ“الانهيار الكبير المؤسف” الذي حدث للدولة بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2014، ودخول الحوثيين إلى صنعاء “تغيرت النظرة تجاه مأرب بشكل كلي” .

- الشائعة الرابعة: خطّافون للأجانب

حاول الحوثيون ترسيخ معلومات “مضللة” تزعم أن أبناء مأرب “يكرهون الأجانب”، وأن أي غريب يضع قدمه على صحرائها “مصيره الاختطاف والهلاك”، وهدفت من خلالها وفق مراقبين، لتبرير هجومها “الإرهابي” على المحافظة، وتحييد المواقف المحلية والدولية المنددة بجرائمها ضد المدنيين.

هذه الشائعة، لم تدم طويلًا مع نجاح مأرب في منع الجماعة من السيطرة على المحافظة، والتي بدأت باستقبال الوفود الأجنبية الزائرة، بما فيها سفراء عدد من الدول، ومسؤولين وصحفيين من مختلف دول العالم.

في المقابل، امتهن الحوثيون اختطاف الأجانب وموظفي المنظمات الدولية وابتزاز دولهم للحصول على فدية على طريقة الجماعات الإرهابية، وحوّلوا هذا وفق تحقيقات صحفية محلية ودولية إلى “دجاجة تبيض ذهبًا”. 

- الشائعة الخامسة: الاستئثار بالثروات

دأبت جماعة الحوثي على افتعال أزمات وقود في المناطق الخاضعة لسيطرتها، واستغلالها لتأليب السكان ضد مأرب، بزعم أن المأربيين يستأثرون بثروات النفط والغاز، ويمنعون وصولها إلى باقي الشعب. 

ورغم أن هذه الشائعة لم تلق رواجاً كبيراً، وخصوصًا في السنوات الأخيرة مع وجود نحو 3 ملايين يمني يسكنون مأرب من مختلف المحافظات، إلا أن “قبائل مأرب” كانت قد أكّدت بداية مواجهتها للحوثيين أواخر 2014 أنها “تقاتل دفاعاً عن المحافظة التي تضم مصالح كل اليمنيين”.

فيما أكّدت السلطة المحلية بمأرب، حرصها على تدفق النفط والغاز إلى كل المحافظات، قبل أن يمنع الحوثيون ذلك إلى المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ويذهبون لاستيراده من إيران ويبيعونه للمواطنين بأسعار مضاعفة.

- الشائعة السادسة: أعداء المرأة

كانت “قبائل مأرب“ في مرمى الشائعات التي تتهم القبيلة بامتهان المرأة، واضطهادها، والوقوف وراء تخلفها، إلا أن ما شهدته مأرب خلال السنوات الخمس الأخيرة، أجهضها واقعًا إذ حققت المرأة فيها مكاسب في كافة المجالات لم تنلها منذ قيام الجمهورية.

عملت السلطة المحلية بمأرب على تشجّيع التحاق الفتيات بالتعليم الأساسي والجامعي، ووفرت لهن كل التسهيلات بما فيها وسائل نقل مجانية لإيصال الطالبات من أطراف المحافظة إلى الجامعة يوميًا ذهابًا وإيابًا. 

فيما أظهر رجال القبائل تجاوباً فريداً في إلحاق بناتهم بالتعليم الجامعي بخلاف النظرة السائدة تجاههم. وإضافة لذلك، مكنت السلطة المحلية المرأة المأربية من الوظائف الإدارية والقيادية في كل المؤسسات الحكومية والأهلية.

في المقابل، فرض الحوثيون قيودًا مشددة على المرأة طالت كل جوانب حياتها، وعملت على حرمان المرأة من التعليم والوظيفة والتنقّل بذريعة “الاختلاط“، وصولاً إلى التحكّم بطريقة لبس المرأة وحركتها ومستوى صوتها.

صورة جديدة

حول هذه الحملات، قال الصحفي “مأرب الورد”: “إذا عدنا إلى ما قبل 2014، كانت النظرة السائدة، في وسائل الإعلام، والتي يغذّيها أحياناً شخصيات من قبل النظام، ولأسباب مختلفة، كان يتم تصوير قبائل مأرب على أنهم قطاع طرق، ومجرمين، ومتخلفين، وحجر عثرة أمام التنمية”.

وبعدما أعلنت القبائل “النكف” للتصدّي للحوثيين، قال “الورد”، في تصريح خاص لـ“بران برس”: “تغيرت الصورة النمطية عند جميع اليمنيين عن قبائل مأرب، بعد أن أثبتوا أنهم مع الدولة، وأن مصيرهم من مصير الدولة”.

وهذا يؤكّد، وفق مراقبين، أنه بقدر ما كانت المعركة التي خاضها المأربيون للدفاع عن وجودهم ومحافظتهم، وعن مشروع الدولة والنظام الجمهوري، كانت أيضاً “دفاعًا عن الصورة الحقيقية للقبيلة، والموقف الحقيقي لرجالها”.
 

مواضيع ذات صلة