|    English   |    [email protected]

خبير اقتصادي يتحدث لـ“برّان برس” عن التطورات الاقتصادية والإجراءات الحكومية لمواجهتها وشروط فعالية “الورقة الأمنية” لإنقاذ العملة

الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 |منذ ساعتين
بران برس بران برس

برّان برس- حديث خاص:

تشهد مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد (جنوبي اليمن)، منذ مطلع الأسبوع الماضي، حراكًا حكوميًا مكثّفًا لمحاولة تحقيق استقرار العملة المحلية وانقاذها من الانهيار الشامل بعد أن تجاوز سعر الدولار مؤخرًا 2000 ريال للدولار الواحد، وهو أدنى مستوى في تاريخها.

ومن ضمن الإجراءات التي اتُخذت لجوء رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، إلى الورقة الأمنية، لمحاولة إنقاذ الريال اليمني، عبر إنقاذ الإجراءات الحكومية الهادفة لحماية العملة الوطنية، وردع المضاربين، وإسناد جهود البنك في إدارة السياسة المالية، بالإضافة لإجراءات أخرى تم الاتفاق عليها مع قيادة البنك.

الخبير الاقتصادي، ومدير تحرير المجلة الدولية للدراسات الاقتصادية في برلين، “ذي يزن الأعوش”، تحدث لـ“برّان برس” عن هذه التطورات الاقتصادية، وعن الإجراءات الحكومية إزائها، ومدى فعالية “الورقة الأمنية” لإنقاذ العملة.

نتيجة حتمية ومنطقية

يرى الخبير الأعوش، أن التدهور الأخير للريال اليمني والذي حصل بداية أكتوبر/تشرين الأول الجاري “نتيجة حتمية ومنطقية لتراكمات الاستهتار والتساهل والحماقات الاقتصادية للحكومة اليمنية على مدى ثماني سنوات”.

وقال إن “الوضع الاقتصادي الراهن لم يكن مغيباً عن ناظر الاقتصاديين والسياسيين في السابق”، لافتًا إلى تحذيراته من هذا الوضع قبل أربع سنوات حينها “لم يتعد سعر الريال السعودي 240 ريال يمني”.

وعن هذه التحذيرات، قال: “أشرت حينها في مقابلة تلفزيونية إلى أن تجاهل الإصلاحات الاقتصادية سيتسبب في انهيار الصرف وسيصل إلى 550 ريال يمني أمام السعودي, وها هو السعر الآن قد تجاوز 530 ريال”.

موقف حكومي ضعيف

المؤلم في الأمر، وفق “الأعوش”، أنه “خلال 8 سنوات لم يبدر من القيادات الحكومية أي موقف قوي داعم للاقتصاد باستثناء الموقف الوطني والمشرف لمحافظ البنك المركزي الأستاذ أحمد غالب المعبقي، والمتمثل في قرارات نقل إدارات البنوك إلى العاصمة المؤقتة عدن وشبكة الأموال الموحدة وإجراءات الضبط المالي والنقدي”.

وبرأيه فإن “هذه القرارات كانت ستغير المعادلة الاقتصادية وتقلب الطاولة رأساً على عقب فوق رؤوس المليشيات الحوثية، والعمل على دعم الاقتصاد في المناطق المحررة”.

واستغرب الخبير الأعوش، أنه “حتى هذه المحاولة الوحيدة لإنقاذ الاقتصاد تم إحباطها بالتدخلات الخارجية ومباركة قيادات الحكومة والدولة”.

أسباب الانهيار

وبشأن التفسير الاقتصادي لانهيار الريال الحالي، أوضح الاقتصادي الأعوش، أنه “يعود لعدّة أسباب أبرزها: انخفاض المعروض الأجنبي نتيجة التسرب بسبب متطلبات الاستيراد, ومن ناحية أخرى ضعف التدفقات النقدية الداخلة من العملة بسبب توقف الصادرات النفطية“.

ويتجسّد السبب الثاني في “انتشار ظاهرتي غسيل الأموال وهروب الاستثمارات المحلية نحو الخارج منذ بداية الأزمة والتي عززت من خروج العملة الأجنبية خارج الاقتصاد”. 

ومن ضمن الأسباب التي تحدث عنها “الأعوش” أيضًا “نشوء وتوسع المضاربة والأسواق السوداء والتي ساعدت بشكل كبير في تذبذب أسعار الصرف”.

فعالية محدودة

وعن الإجراءات الحكومية لمواجهة التدهور الاقتصادي وانهيار العملة الوطنية، قال “الأعوش”، إنها “تمثلت في التنسيق بين السياسة المالية والنقدية لتنفيذ الإصلاحات، وتعزيز مبادئ الشفافية والحوكمة بالتوازي مع جوانب التكامل لضبط أسعار صرف العملة الوطنية، وتعزيز الإيرادات العامة، ومعالجة أوجه القصور القائمة وتجاوزها وترشيد النفقات“، إضافة إلى ”مزادات البنك المركزي لبيع الدولار”.

ورغم أهمية هذه الإجراءات ودورها في كبح التدهور الاقتصادي، إلا أن “فعاليتها ستكون محدودة”، وفق الخبير الاقتصادي ذي يزن الأعوش، الذي ذكر 4 أسباب لعدم فعاليتها. وأولها: “تأخر توقيت استخدام الإجراءات”.

ويرى أنه “كان من المفترض تنفيذ هذه الإجراءات قبل أربع سنوات”. كما أن “الوضع متفاقم للغاية وقد يتطلب لما هو أكبر كالدعم والتدخل الخارجي للإنقاذ”. 

وحتى في حالة الاكتفاء بهذه الإجراءات، قال “الأعوش”، إنه “يجب تنفيذها بشكل كامل يشمل عموم الاقتصاد وبعمليات مستمرة لكي يظهر أثرها الاقتصادي”. 

إضافة إلى ذلك فإن “التنفيذ الصحيح للإجراءات يتطلب فاعلية وكفاءة مؤسسات الدولة وتكاملها مع بعضها البعض، وهذا ما تفتقر إليه الحكومة بشدة”.

ويتمثل السبب الأخير، وفق الخبير الاقتصادي، في “تفكك المنظومة الاقتصادية في المناطق المحررة، حيث أن بعض المحافظات ترفض ترحيل الإيرادات العامة إلى البنك المركزي عدن”.

الورقة الأمنية

وفيما يخص الورقة الأمنية لإنقاذ العملة، لفت الخبير الأعوش، إلى ما أوردته المصادر الرسمية اليمنية حول الاجتماع “الطارئ” الذي عقده رئيس مجلس القيادة اليمني، رشاد العليمي، بـ“اللجنة الأمنية العليا”.

وقال إن الاجتماع ركّز على “دور (اللجنة الأمنية العليا) في تعزيز وإسناد جهود البنك المركزي، وتمكينه من إدارة السياسة النقدية، وتنفيذ إجراءاته الرامية لحماية العملة الوطنية، وضبط سوق الصرف، وردع المضاربين، وتجار السوق السوداء، والممارسات المضرة بالاقتصاد الوطني والوضع المعيشي في البلاد”.

وبرأي الخبير الاقتصادي الأعوش، فإن “هذا الدور يعتبر أجراء فاعل وفق شروط محددة”. وتتمثل هذه الشروط في ثلاثة أمور، أولها: “التزامن في التطبيق مع إجراءات الحكومة والتي يفترض أن تطبق بفاعلية عالية وفق الأسباب المذكورة سابقاً”.

وهذا يعني، وفق الخبير الأعوش، أن “الورقة الأمنية وإجراءات الحكومة من المفترض أن يسبقها مجموعة من التصحيحات”.

ويتحقق الشرط الثاني في “التكامل الأجهزة الأمنية المناط لها دعم الاقتصاد مع الأجهزة القضائية والنيابية حتى تصبح عملية الدعم نظامية وفي إطار القانون”. 

وأما الشرط الأخير، فيتبلور في “معالجة الأسباب الجذرية، والمتمثلة في تفشي الفساد المالي والإداري للحكومة”. وهذا يتطلب، وفق الخبير الاقتصادي، “تفعيل هيئة مكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة”.

خلفية عن الأزمة

وتواجه الحكومة اليمنية المعترف بها، أزمة نقدية خانقة مع تفاقم اضطراب العملة المحلية حيث سجل سعر صرف الريال أدنى مستوى له أمام العملات الأجنبية في العاصمة المؤقتة عدن، والمناطق الأخرى المحررة.

ومؤخرًا، تجاوز سعر الدولار الواحد 2000 ريال، بعد أن كان سعره أواخر أبريل/نيسان المنصرم 1676 ريالًا، في حين سجل الريال السعودي 524 ريالًا للبيع بعد أن كان يقابل 441 ريالًا، وهو أدى أدنى مستوى في تاريخه.

والخميس 17 أكتوبر/تشرين 2024، كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، قد عقد اجتماعًا بلجنة إدارة الأزمات الاقتصادية والإنسانية برئاسة رئيس الحكومة، أحمد بن مبارك، وبحضور قيادة البنك المركزي وعدد من الوزراء، لمناقشة السيناريوهات الاقتصادية والانسانية القائمة والمحتملة.

والأحد الماضي 20 أكتوبر/تشرين، عقد “رشاد العليمي”، اجتماعاً طارئاً باللجنة الأمنية العليا، لبحث إسناد البنك المركزي، وتمكينه من إدارة السياسة النقدية، وتنفيذ إجراءاته الرامية لحماية العملة الوطنية.

وأقر الاجتماع “التسريع بإنفاذ خطة الانقاذ الاقتصادي، وردع المضاربين بالعملات، وتفعيل أجهزة الضبط دعما لاستقلالية البنك المركزي وسياساته القانونية في إدارة القطاع المصرفي”.

وكان البنك المركزي، قد دعا خلال اجتماع مجلس إدارته، الثلاثاء 15 أكتوبر/تشرين الأول 2024، الحكومة اليمنية إلى إعادة النظر في سياساتها المالية والاقتصادية، وخاصة في مجال تعبئة وتحصيل الموارد العامة وإعادة تخطيط الإنفاق وفقاً للأولويات. 

كما دعا خلال الاجتماع، مجلس القيادة الرئاسي والحكومة إلى دعمه ومساندته بما يمكنه من القيام بواجباته باستقلالية ومهنية في ظل هذه الظروف الصعبة والتطورات غير المواتية.

وبالتزامن، طالب رئيس الحكومة، أحمد بن مبارك، بدعم دولي لوقف تدهور العملة الوطنية، التي سجل أدنى انهيار لها بعد أن كسر سعر الدولار الواحد الـ2000 ريال. 

وقال خلال، استقباله المبعوثة النرويجية الخاصة إلى اليمن، هايدي جوهانسون، إن المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة تستدعي من المجتمع الدولي تقديم دعم أكبر للحكومة من أجل صناعة التحول المنشود الذي يتطلع إليه جميع اليمنيين.
 

مواضيع ذات صلة