بران برس- وحدة التقارير:
في 27 يناير/كانون الثاني 2025، صبيحة إعلان الهدنة بين حركة حماس، وحكومة الكيان الصهيوني عاد قرابة 300 ألف نازح من مناطق جنوب ووسط قطاع غزة إلى منازلهم شمال القطاع، وفق الإعلام الفلسطيني.
وبثّت فضائيات إقليمية ودولية مشاهد قوافل المهجّرين المتدافعة على امتداد شارعي “الرشيد وصلاح الدين”، والذين سارعوا للعودة إلى محافظات غزة والشمال، بعد 470 يوماً من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
المشاهد المهيبة التي وصفت بأنها “زحف بشري هادر” أثارت دهشة شعوب العالم، إلا أنها كانت أكثر تأثيرًا في نفوس اليمنيين خصوصًا ملايين النازحين والمهجّرين جراء حرب مليشيا الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب.
وبقدر ما أسعدت تلك المشاهد قلوب اليمنيين بقرب انتهاء معاناة الفلسطينيين، إلا أنها في الوقت نفسه أعطتهم أملاً بالعودة إلى منازلهم التي هجّرهم منها الحوثيون منذ انقلابهم واجتياحهم للعاصمة صنعاء أواخر 2014.
تفاؤل حذر
المحلل العسكري العميد عبدالرحمن الربيعي، قال إنّ “الفلسطيني الغزاوي سجل حضوره المبهر، أمام العالم الذي شاهد تلك الأرتال البشرية لمئات الآلاف من الغزاويين يعودون للعيش بين الأطلال”.
وأضاف لـ“بران برس”، أن “تلك المهابة للشعب الجبار، لن تنهزم في ظل هذا الإصرار والصمود الذي أذهل العالم، وحقق هزيمة نفسية وعسكرية وإنسانية للكيان الإسرائيلي”.
ورغم هذا، يقول العميد الربيعي، إنه “يجب علينا أن نكون متفائلين بحذر شديد، من أن العودة إلى الحرب هي أقرب منها للسلام المستدام”. متمنيًا أن تفوّت “حماس” الفرصة على إسرائيل، وتجريدها من الذرائع للعودة للحرب. معتبرًا حل الخلافات بين حركتي “فتح وحماس” أمر ضروري ولا يجوز تفويته أو إغفاله.
حلم العودة
الدكتور “أحمد عوض”، وصف مشهد تدفق الغزّيين العائدين عبر شارع الرشيد الساحلي سيرًا على الأقدام بأنه “تاريخي” اختلطت فيه مشاعر الحنين بذكريات المعاناة.
وقال لـ“برّان برس”، إن هذا المشهد أيقظ في داخله كل مشاعر الفقد والتشرد التي عاشها. مضيفاً: “رأيت في خطواتهم ثقلاً يشبه ما نحمله في قلوبنا منذ سنوات. رأيت عيونًا تترقب البيت كما كنا وما زلنا نترقب حلم العودة”.
وأضاف: “كم تمنينا يومًا أن نسلك نفس الطريق، أن نعود حيث انقطع بنا الزمن، أن نجد بيوتنا تنتظرنا كما تركناها، ولكن لدينا يقين بالعودة، عودة النصر بإذن الله كما شاهدناها في شمال غزة”.
تفاؤل كبير
أستاذ العلوم السياسية بجامعه إقليم سبأ، الدكتور عمار البخيتي، وصف مشهد عودة سكان شمال غزة، بـ“الانتصار العظيم للإرادة الفلسطينية والصمود الفلسطيني”.
وأضاف لـ“برّان برس”: “كان شعوراً لا يوصف، عندما ترى الفلسطينيين عائدين إلى منازلهم وأحيائهم، وهم يكبرون ويهللون".
شخصيًا، قال: “وأنا أشاهد عودة سكان شمال غزة كنازح عن بلادي وعن مدينتي وعن قبيلتي وعن أسرتي منذ عشر سنوات بسبب الحوثيين أعطاني الأمل بأن نهاية كل ظالم سوف تكون قريبة، وأن أصحاب الحق سوف يأخذون حقهم، وأنه مهما تشردنا وابتعدنا عن بلادنا سوف نعود إليها”.
وأضاف: “كل النازحين سيعودون بإذن الله، سيعود ملايين النازحين إلى مدنهم وبلدانهم، بعد أن يتم تطهير اليمن من مليشيا الحوثي الإرهابية الإجرامية”، مشيرًا إلى أن نهاية الحوثيين ستكون قريبة جداً”.
وعبّر الدكتور البخيتي، عن تفاؤله الكبير بالعودة، قائلًا: "أرى صنعاء أمام عيني، أرى بلادي ذمار، وقبيلتي وقرية الحد وقرية الثربان الكبرى أراها أمام عيني”. مضيفًا: أرى أسرتي يستقبلونني في صنعاء، وأرى أقاربي يستقبلونني في قريتي، وأرى والدي ووالدتي مسروران بعودتي، وإخواني وأخواتي وكل أقاربي يستقبلونني ويحتفلون بعودتي إليهم”.
وتابع: “أرى أصدقائي، أرى زملائي الذين حرمت من رؤيتهم منذ 10 سنوات، فنحن متفائلون بشكل كبير جداً”.
مشاعر مختلطة
أما الباحثة في مركز تهامة للدراسات والتنمية “زهرة مهدي”، فتقول إنها تابعت المشهد “بمشاعر مختلطة من الفرح والألم”. مضيفة لـ“برّان برس”: “كانت المشاهد مؤثرة. رأينا العائلات تعود رغم الدمار، تحمل الأمل في إعادة بناء حياتها، رغم الصعوبات التي تنتظرهم"،
وبرأيها فإن “العودة بحد ذاتها انتصار، لكنها أيضًا تذكير بحجم المعاناة التي مروا بها”. وأضافت: “رأيت في وجوه العائدين إلى شمال غزة ما كنت أتمنى أن أشعر به يومًا ما، أن أعود إلى منزلي، وأهلي وحي ومدينتي”.
وبفرحة كذلك، يقول “خالد بطاح”، إنه تابع تلك المشاهد، معتبرًا “الرجوع بحد ذاته هو انتصار وتمكين للفلسطينيين ولثباتهم وصبرهم”.
وعبّر عن أمنيته بأن “يعجل الله لنا بالنصر والتمكين والعودة كلٌ إلى بيته سالماً منتصراً رافعاً رأسه، وقد أزال الله الحوثى وزمرته”.
أما المحامي مرزوق الغرباني، فقال: “تساقطت الدموع من عيني فرحاً وشعرت بالحزن على حالنا ووضعنا”.
والأهم بالنسبة للغرباني، هو أن هذه المشاهد “رفعت الأمل لدي الكثير بأنهم عائدون، وأن الأوضاع تتبدل فاليمنيون ليسوا بمعزل عن الوطن العربي والعالم بل يتأثرون بمحيطهم”.
حزن وغضب
من جانبه، قال أستاذ الأدب والنقد بجامعة إقليم سبأ، الدكتور يحيى الأحمدي، إن مشاهد عودة الفلسطينيين في غزة، تعكس واقع ملايين اليمنيين الذين نزحوا من ديارهم. مضيفًا: إن وقفنا أمام هذه المشاهد فإنها تذكرنا كيف أننا أيضاً أحق بالعودة إلى منازلنا ونعيش كما يعيش الناس.
وأضاف: “وأنا بعيد عن داري وعن أهلي وأصدقائي وعن الأحياء التي عشنا فيها وعن الذكريات وعن الأقارب، وكل هذه العناوين العريضة التي لا تفارقنا أبدًا ولن تذهب عن مخيلاتنا، لا شك أننا نشعر بحزن عميق، نشعر بأسى، نشعر بغضب، ونشعر بأن لنا حق في عودتنا، لأننا لسنا أمام عدو بهذا الحجم الذي يواجهه هؤلاء”.
وبحسرة، قال الأحمدي: “ما يجرح ذواتنا، ويترك الكثير من الندم هو أننا أقوياء، وبأيدينا قدرة على استعادة الدولة، وطي هذه الصفحة السوداء من حياتنا، لكن للأسف نجر أكثر من هزيمة: القيادات التي تخلت، ومن تصدروا المشهد وهم لا يراعون هذه اللحظات”.
وتابع: “نحن نعيش داخل الوطن، لكننا أيضًا أكثر شوقًا لبيوتنا لأهلنا لأصدقائنا لحياتنا الطبيعية في ظل دولة ذات سيادة ومساواة ونظام وقانون”.
درس عميق
المحلل السياسي الدكتور فارس البيل، عبّر عن إعجابه بـ“مشهد الغزاويين أثناء عودتهم إلى ديارهم وهم يعلمون تمامًا أنها مدمرة ومنتهية وسويت بالأرض، ومع ذلك فرحتهم بالعودة”.
وقال لـ“بران برس”: “أعتقد أن هذا درس قيم ودرس معمق في قيم الحضارة، وقيم الإنسان، وقيم الحياة كلها”، مضيفًا أن “مشهد العودة ومشهد الانتصار للعودة ومشهد فرحة الناس بالعودة وتشبثهم بهذه العودة رغم شهور القهر والقتل والدمار وما إلى ذلك، أعتقد أنها ستظل صورة ماثلة في الحياة وفي التاريخ وفي ذاكرة الناس”.
وأشار الدكتور البيل، إلى أن هذا المشهد سيغدو مثالًا وحكمة وجملة لكل من يتحدث عن العودة إلى الحق وعن الانتصار وعن الصبر للوصول إلى الغاية والتشبث بالوطن وبتراب الوطن وبالقيم وكل ذلك.
وقال إن “كل من شاهد تلك الصور الدرامية والرمزية الكبيرة لمشهد العودة، سواء كان يمنياً أو سورياً أو سودانياً، أو كل من نالتهم مثل هذه المصيبة يتذكر فوراً أو يستشعر فوراً مشهد عودته”.
وأضاف: “وكأن هذه العودة للفلسطينيين على الرغم من قسوتها وقصر مدتها بالنسبة للمآسي المتشابهة مثلهم كاليمنيين لكنهم كانوا أكثر قوة تحمل، كانوا أكثر لكن هذا المشهد بالعموم أتصور أنه أعاد بالذاكرة واستجمعت كل الجوارح فرحة العودة بالنسبة لمن يشاهد ذلك”.
وتابع: “أنا كيميني مثلا شاهدت هذه العودة وبدأت أتخيل مشهد عودتي إلى بلادي، منذ أن أخرجنا الحوثي منها مظلومين، ولم يكن أحد يتصور الحقيقة”. مستدركًا: “صحيح كنا نحلم بالعودة كل يوم، لكن لم نكن نتخيل أن المشهد سيكون بهذا العنفوان الكبير، وبهذه الفرحة الكبيرة، وبهذا الانتصار القريب”.
رسالة صمود
عن شعوره بمشاهد العودة الغزّية، قال الدكتور فيصل الضلعي: “شعور لا يوصف وفرحة غامرة بعودة إخواننا الفلسطينيين إلى أرضهم، حتى وإن كانت مدمرة، فالأرض هي الحياة والتمسك بها رسالة مقاومة وصمود”.
وأضاف في حديثه لـ“برّان برس”: “علينا أن نأخذ العبرة منهم وألا نستسلم وأن نتمسك بحق العودة وبناء دولتنا المنشودة، هنيئًا لهم عودتهم إلى ديارهم، كما علينا عدم الاستسلام والتمسك بحق العودة وبناء دولتنا المنشودة”.
فيما قال الناشط الحقوقي، ردمان ردمان، إن “مشاهد عودة النازحين إلى مناطقهم التي أجبروا على النزوح منها رغم بيوتهم المدمّرة يؤكد أن الحق لا يهزم”.
وأضاف أنه “وبرغم كلّ الآلام والمتاعب، فإنّ شعور العائدين من جنوب غزة إلى شمالها هو شعور الفاتحين السعداء المبتهجين، على ألسنتهم التكبير، وعلى وجوههم الابتهاج والفرح الكبير”.
من جهته، اعتبر الناشط الشبابي، جمال علي جمال، عودة الغزيين انتصاراً كبيراً على المحتل ومخططاته، مضيفًا أن “العودة للمنزل لا تقارن، فأغلى ما يملك الإنسان وينتمي إليه هو أرضه ومسكنه.
ومن وحي هذه المشاهد، قال: “خطرت في بالي مشاهد عودتنا نحن المهجرين النازحين عن ديارنا منذ عشر سنوات”. مضيفًا: “سنعود إلى ديارنا مهما طال الوقت وصعب الوضع، لأننا أهل حق ولا نتخلى عن حقنا”.