|    English   |    [email protected]

رمضان النازحين.. بين الحنين والصمود (تقرير)

الأربعاء 5 مارس 2025 |منذ يوم
بران برس بران برس

أعد التقرير لـ"بران برس"- أمة الغفور السريحي

مع دخول الحرب في اليمن سنتها الحادية عشر، ما يزال 4.5 مليون يمني يعانون قساوة النزوح الداخلي، حيث اضطر غالبيتهم لترك منازلهم وقراهم وممتلكاتهم منذ بداية الصراع، والبعض منهم نزح عدّة مرات.

يعيش هؤلاء معاناة إنسانية ومعيشية يومية، وتتضاعف معاناتهم مع الأعياد والمناسبات الدينية، وخصوصًا شهر رمضان المبارك.

في هذا التقرير يسلط “بران برس” الضوء على أوضاع النازحين في محافظة مأرب، مع حلول شهر رمضان، والذين يتجاوز عددهم ثلثي النازحين في الجمهورية اليمنية، ويعيشون ظروفًا بيئية ومعيشية غاية في الصعوبة.

بعيدًا عن الطمأنينة

آمنة محمد (30 عامًا)، نازحة من محافظة حجّة، قالت لـ“بران برس”، إنها تستقبل رمضان للسنة العاشرة في مخيم النزوح بعيدًا عن الأهل والديار، وعن الطقوس الرمضانية الخاصة التي اعتادت أن تعيشها منذ طفولتها. 

وعن انطباعها حول أجواء رمضان قالت بألم وحرقة، إن “كل رمضان أصعب من العام الماضي، نعيش في مخيمات النزوح بعيدًا عن بيوتنا وأموالنا وأهلنا بسبب جماعة الحوثي التي شردتنا من بلادنا”. 

عادت آمنة، بذاكرتها إلى ما قبل نزوحها، متحدثة عن الأجواء الرمضانية في قريتها، والتي قالت إنها كانت تتسم بالاستقرار والطمأنينة والروحانية، مضيفة: “كنا نعيش رمضان في بيوتنا مستقرين وآمنين والآن كما تشاهدون”.

وتصف تلك الأجواء قائلة: “كان هناك أجواء من التعاون والألفة بين الناس، ونقيم صلاة التراويح في كل المساجد في المنطقة.

عن معاناتها هذا العام، قالت آمنة، لـ“بران برس”، إن “الوضع هذا العام صعب جدًا، والحاجات الأساسية أصبحت صعبه، والأسعار مرتفعة، والرواتب لا تكاد تكفي”. ومع ذلك، قالت: “لا يزال الأمل هو ما يبعث الحياة في قلوبنا، ونثق بأننا سنعود إلى ديارنا يوماً ما آمنين منتصرين”.

حنين وتدابير بديلة

هديل إسماعيل، نازحة من محافظة صنعاء، تحدثت لـ“بران برس”، عن الشوق والحنين إلى الأجواء الرمضانية قبل الحرب، ورغم البعد عن بلادها، قالت: “ما زلنا نحاول خلق أجواء رمضانية من خلال التواصل مع الأهل عبر الهاتف أو الإنترنت، وتحضير الأطعمة التقليدية التي تذكرنا بأجواء القرية”.

إضافة إلى ذلك، قالت إن النازحين يحاول خلق أجواء رمضانية من خلال “إقامة ولائم والعزائم الأسرية بين أبناء القرية الواحدة، حتى نشعر بالأجواء التي كنا نعيشها في القرية”.

ورغم هذه التدابير البديلة، تقول “هديل”، إن “لمة الأهل والإفطار العائلي الكبير لا يمكن تعويضها”، مضيفة أن “الأجواء الرمضانية له نكهة خاصة في قريتنا”.

وضع صعب

“أم نجم”، ربة أسرة مكونة من 4 أطفال تعيش في مخيم الجفينة للنازحين، تصف حياتها المعيشية بأنها “صعبة”، مضيفة: “يأتي رمضان وأنا أحمل هم قوت أولادي. أمس وأنا في السوق، حاولت اشتري دجاجة، كان سعرها 14 ألف ريال، لم أستطع شراءها".

تعتمد “أم نجم”، على ما تكسبه من بيع اللحوح لتوفير لقمة العيش لها ولأولادها. وفي رمضان، قالت لـ“بران برس”: “أقوم بتحضير اللحوح وبيعه ولا أستطيع توفير الحاجات الأساسية للبيت، أنا الوحيدة التي لا تنام نهار رمضان. من الساعة التاسعة صباحاً إلى قبل العصر وأنا أصنع اللحوح، وأرسل أولادي يبيعونه”.

من جانبه، قال على حمدي (50 عام)، وهو نازح من محافظة عمران، إن “رمضان يأتي بدون مشاعر، محمل بالهموم، يدخل علينا الشهر الكريم ولا يوجد في البيت ما نصنع به وجبة واحدة، بسبب الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار الجنونية، وصمت الدولة وتغاضي المجتمع الدولي”.

وعن دور المنظمات الإغاثية والإنسانية، خلال شهر رمضان، قال “الدعم ضعيف وفي بعض المخيمات معدوم”. 

ورغم هذه المعاناة قال إن النازحين يُظهرون “مرونة كبيرة في الحفاظ على روح رمضان، مستمدين القوة من إيمانهم وأملهم في تحسن الأوضاع”، معبرًا عن أمله في “أن العودة إلى بلادنا ستكون قريبًا بإذن الله”.

قصص صمود

الصحفي المهتم بالشؤون الإنسانية، خالد الحاتمي، تحدث لـ“بران برس”، عن “قصص صمود” يجسّدها ملايين النازحين في مخيمات ومواقع النزوح خلال 10 سنوات، مضيفًا أن “كل نازح يحمل قصّة من قصص الصمود الأسطوري في مواجهة التحديات المعيشية بالمخيمات، خاصة مع استمرار موجات النزوح، والتغيرات المناخية”.

وأضاف أن “كل قصّة صمود تروي حكايات من الألم والأمل للتعايش مع هذه المتغيرات الكارثية التي لحقت بالنازحين”. لافتًا إلى حكايات النازحين في رمضان، والذي له نكهة خاصة تختلف عن سائر الأيام، موضحًا أن “كل منطقة من مناطق اليمن، تزخر بالعديد من الطقوس التي تميزها عن غيرها”.

وخلال السنوات الأخيرة مع فترات النزوح المستمرة، قال إن رمضان يأتي على النازحين وهو مثقل بكل الهموم، ومفرغٌ من كل شيء جميل، فحياة النزوح صعبة وقاسية، وتزيد قساوتها مع قدوم شهر رمضان.

فمع قدوم شهر رمصان، قال: تبدأ المآسي تظهر على كل أسرة نازحة، ونفتقد للكثير من الأمور، التي كانت بالنسبة لنا قبل النزوح هي الحياة، خصوصًا الأسر التي فقدت بعض أقاربها أو أصدقائها في الحرب.

وإضافة إلى “فقدان طقوس المنازل الأصلية”، قال الصحفي الحاتمي، إن النازحين وصل بهم الحال إلى أنهم “يفتقدون إلى أكلات رمضان، مع ارتفاع أسعار السلع، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد”.

وقال: تظل الأجواء الرمضانية منقوصة في حياة النازحين، لكننا نتشبث بالأمل حتى نصنع الأجواء التي ممكن أن تسد جزء من الفراغ التي خلفته الحرب والنزوح والتشرد في شهر رمضان”.

وأضاف: نحاول قدر الإمكان أن نحيي ليالي رمضان وأيامه، ونتغلب على الواقع المرير، باللقاء بالأقارب النازحين في المخيمات الأخرى، والتواصل مع البعيدين لنستقي منهم الأجواء الرمضانية في مناطقنا الأصلية”.

صمود استثنائي

المسؤول الإعلامي للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمحافظة مأرب، أيمن عطا، قال لـ“بران برس”، إن النازحين يظهرون صمودًا استثنائيًا، ويبتكرون حلولًا لتحسين ظروفهم في مواجهة التحديات المناخية والمعيشية.

وعن مشاعرهم وهم يستقبلون رمضان، قال أيمن عطا، إنهم “يشعرون بحنين عميق إلى ديارهم وأهلهم في رمضان”، مضيفًا أنهم “يحاولون التغلب على مشاعر العزلة عبر التواصل مع أقاربهم داخل المخيمات”.

ورغم المعاناة، أوضح أن النازحين يحاولون خلق أجواء رمضانية، كموائد الإفطار الجماعي، وتحضير الأكلات الرمضانية بالطرق الشعبية، إضافة إلى تزيين المخيمات لإضفاء أجواء رمضانية رغم شح الإمكانيات.

وإنسانيًا، تحدث أيمن عطا، عن مبادرات من المنظمات الإنسانية والمجتمع المحلي لتقديم مساعدات غذائية، وسلال رمضانية، وإفطار جماعي لدعم النازحين، إضافة إلى تنظيم أنشطة دعم نفسي واجتماعي. ورغم كل الصعوبات، قال: “يبقى الأمل حيًا بين النازحين، ومتمسكين بتقاليدهم وإحياء الأجواء رمضانية بما تيسر لهم”.

مواضيع ذات صلة