
أعد التقرير لـ"بران برس" - إيناس الحميري:
مع دخول شهر رمضان المبارك، يتصدر التجار ورجال الأعمال المبادرات الخيرية، حيث تنتشر حملات توزيع التمور والسلال الغذائية وكسوة العيد للأسر المحتاجة، في مشهد بات أشبه بمهرجان موسمي للتكافل والتراحم.
وسط هذا النشاط السنوي، يبرز تساؤل جوهري: هل يكفي حضور هؤلاء في رمضان لتعويض غيابهم طوال العام؟، وهل تعكس هذه المبادرات التزامًا حقيقيًا بالمسؤولية الاجتماعية، أم أنها مجرد جهود مؤقتة بدافع اغتنام الأجر المضاعف الذي لا يتوفر في بقية الشهور؟.
عطاء موسمي
التاجر أحمد سعيد، يشارك سنويًا في مبادرة لتوزيع التمور، يصف الأمر بأنه جزء من الواجب الديني الذي يحث عليه الإسلام، لكنه في الوقت نفسه يعترف بأن تركيز التجار على تقديم المساعدات في رمضان فقط غير كافٍ.
يضيف "سعيد" في حديث لـ“بران برس”، أن “رمضان هو موسم الخير، وهو فرصة عظيمة لنساعد المحتاجين، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد”.
"دعم الفقراء في رمضان يساعد على تخفيف أعبائهم، لكنه لا يحل مشكلاتهم المعيشية بشكل جذري، ويجب التفكير في حلول أكثر استدامة، فالمسؤولية الاجتماعية يجب أن تكون نهجًا مستمرًا وليس مجرد مبادرة موسمية"
وتابع: نحرص على تقديم التمور والسلال الغذائية، لكن للأسف، لا يمتد هذا العطاء بنفس القوة طوال العام. متحدثًا عن “مسؤوليات تجارية والتزامات تجعل من الصعب تقديم الدعم بشكل مستمر”.
التاجر عبد الرحمن، وهو موزع للتمور أيضًا خلال شهر رمضان، يقول لـ“بران برس”، إن دعم الفقراء في رمضان يساعد على تخفيف أعبائهم، لكنه لا يحل مشكلاتهم المعيشية بشكل جذري. مضيفًا: “نحاول إيصال المساعدات إلى مستحقيها بتوزيعها مباشرة في الأسواق والأحياء الفقيرة، ونركز على رمضان أكثر من أي وقت”.
نهج مستمر
يرى بعض التجار أن المبادرات الرمضانية ليست كافية، وأنه يجب التفكير في حلول أكثر استدامة. فيما يؤكد تاجر المواد الغذائية، أحمد عبدالله، أن المسؤولية الاجتماعية يجب أن تكون نهجًا مستمرًا وليس مجرد مبادرة موسمية.
وقال في حديثه لـ“بران برس”: “نحن كتجار نربح من المجتمع، ومن واجبنا أن نرد الجميل عبر دعم الفقراء والمحتاجين”.
وأضاف: صحيح أن رمضان هو الشهر الأكثر بركة، لكن لا ينبغي أن يكون العطاء مقصورًا عليه. هناك أسر تحتاج إلى دعم دائم، وليس مجرد سلة غذائية تأتي مرة واحدة في السنة”.
مبادرات تطوعية
إلى جانب الجهود الفردية للتجار ورجال الأعمال، تنشط الجمعيات والمبادرات التطوعية في توفير مساعدات أوسع وأكثر استدامة بعضها بدعم فاعلين خير.
فريق “قيم” التطوعي، الذي يرأسه حلمي المليكي، ينفذ مبادرة تستهدف النازحين وأسر المعاقين، وتشمل توفير كسوة العيد للأطفال، إضافة إلى تشجيع الإنتاج المحلي بإشراك النساء في خياطة الملابس بدلًا من شرائها جاهزة.
"الدعم الموسمي رغم أهميته، إلا أنه يظل محدود التأثير. فالمساعدات الرمضانية تخفف من معاناة الكثير من الأسر، لكنها لا توفر حلولًا جذرية"
أوضح حلمي المليكي، لـ“بران برس”، إن الدعم الموسمي رغم أهميته، إلا أنه يظل محدود التأثير. مضيفًا أن "المساعدات الرمضانية تخفف من معاناة الكثير من الأسر، لكنها لا توفر حلولًا جذرية.
ولهذا قال: "نحاول تنفيذ مشاريع تنموية مثل (مكنّي) و(نور)، والتي تركز على تمكين الأسر من تحقيق دخل مستدام، بدلاً من الاعتماد على التبرعات فقط”.
وحتى الجمعيات تواجه تحديات، أبرزها عدم توازن الدعم بين المتبرعين والمستفيدين. وفق المليكي، فإن “غالبية الذين يتواصلون معنا هم من الأسر المحتاجة، بينما الداعمون قلة، مما يجعل الاستمرارية في تقديم المساعدات أمرًا صعبًا”.
ثقافة وتأثير مؤقت
حول انتعاش العمل الخيري في رمضان، يرى الدكتور محمود البكاري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، أنه “يعكس ثقافة التكافل الاجتماعي المتجذرة في المجتمع اليمني، لكنه لا يحقق التنمية المستدامة المطلوبة لمواجهة الفقر.
وأضاف الدكتور البكاري، لـ“بران برس”، أن “المساعدات الرمضانية تأتي ضمن مبدأ التكافل الاجتماعي، وهي جزء من ثقافة المجتمع اليمني المعروف بحرصه على مساعدة المحتاجين”.
"الفقراء بحاجة إلى مشاريع إنتاجية تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم بدلًا من انتظار المساعدات السنوية، والتحول من التبرعات الموسمية إلى الدعم المستدام يتطلب وجود خطط تنموية تستغل المساعدات الإنسانية لإنشاء مشاريع صغيرة يستفيد منها المحتاجون"
ورغم هذا قال إنه “لا يمكن اعتبارها حلًا طويل الأمد، فهي محدودة الأثر وموسمية، مما يجعل تأثيرها مؤقتًا أكثر من كونه تغييرًا جذريًا في حياة الفقراء”. موضحًا أن “لها أثرًا إيجابيًا خلال الشهر الفضيل، حيث يزداد الطلب على المواد الغذائية والاستهلاكية، لكن بعد انتهاء رمضان تعود المشكلات الاقتصادية إلى الواجهة”.
وأشار إلى أن “الفقراء بحاجة إلى مشاريع إنتاجية تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم بدلًا من انتظار المساعدات السنوية”. مبينًا أن “التحول من التبرعات الموسمية إلى الدعم المستدام يتطلب وجود خطط تنموية تستغل المساعدات الإنسانية لإنشاء مشاريع صغيرة يستفيد منها المحتاجون”.
حاجة دائمة
مع انتهاء رمضان، تنتهي معظم المبادرات الخيرية، بينما تظل الحاجة لدى الفقراء ترافقهم طوال العام. يشدد حلمي المليكي، على ضرورة استمرار الدعم، قائلاً لـ“بران برس”، إن “أبواب الخير مفتوحة طوال العام، وليس فقط في رمضان. العطاء المستدام يبارك المال، ويساعد في بناء مجتمع أكثر استقرارًا”.
أما الدكتور البكاري، فيشدد على ضرورة تغيير النظرة المجتمعية إلى التبرعات، بحيث تصبح جزءًا من استراتيجية التنمية المستدامة، وليس مجرد صدقات موسمية. ويضيف أنه “لا يمكننا معالجة الفقر بتوزيع الطعام فقط، بل علينا التفكير في حلول دائمة تمكن الأسر من تحقيق اكتفائها الذاتي”.
تحويل المساعدات إلى مشاريع تنموية مستدامة، هو السبيل الأمثل لتحقيق تغيير حقيقي ومستدام في حياة الفئات الأكثر احتياجًا، وتحسين مستوى معيشتها. ودور القطاع الخاص مهم في تحقيق التنمية وتحسين ظروف وحياة المجتمعات
التاجر وديع قاسم راجح، أكد أهمية المبادرات الخيرية والمساعدات التي تقدم في شهر رمضان، كونها تساهم في تخفيف معاناة الكثير من الأسر وتلبية احتياجاتها الأساسية. ومع ذلك، أقر بأن “المساعدات الطارئة قد تخفف من حدة الفقر، لكنها لا تعالج أسبابه الجذرية؛ فالفقر ليس ظاهرة موسمية بل واقع يومي يعيشه الناس”.
ولهذا يرى أن “الجمع بين المساعدات الطارئة والمبادرات التنموية المستدامة هو الحل الأمثل لمكافحة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية”.
وأكّد إيمانه بأهمية “تحويل المساعدات إلى مشاريع تنموية مستدامة”، معتبرًا “هذا هو السبيل الأمثل لتحقيق تغيير حقيقي ومستدام في حياة الفئات الأكثر احتياجًا، وتحسين مستوى معيشتها. مؤكدًا أهمية دور القطاع الخاص في تحقيق التنمية وتحسين ظروف وحياة المجتمعات.