
أعد التقرير لـ"بران برس"- حفظ الله الحصماني:
دخول نحو 830 طن من المنتجات الإيرانية عبر ميناء عدن خلال عامي 2023 و2024 فقط
“للأسف ندفع ثمن موتنا وتدمير بلادنا”.. بهذه الجملة علّق سلمان ربيع (37 عامًا)، وهو يتحدّث لـ“بران برس”، بمرارة عن انتشار السلع الإيرانية في الأسواق اليمنية.
وأضاف “سلمان”، في حديث لـ"“برّان برس” أن إيران أكثر دولة تدعو لمقاطعة بضائع الأعداء، ونحن في اليمن نعتبرها عدوّة لنا بشكل خاص، فإذا كانت إسرائيل عدوّتنا لأنها تمارس الجرائم بحق إخواننا في فلسطين، فإيران تقتلنا بشكل مباشر.
وتابع: منذ أكثر من عقدين، وإيران تخوض حربًا مدمّرة ضد بلادنا وشعبنا عبر ذراعها الحوثية التي أنشأتها وزوّدتها بالخطط والأموال وأنواع الأسلحة، ولهذا يجب قطع كل أشكال العلاقات معها ومعاقبة من يقوم بذلك.
وقال إنه يشعر بسخط شديد كلما صادفته سلعة إيرانية في المتاجر وأسواق الخضار. مستغربًا أن التفاح الإيراني متوفّر بكثافة بينما الفاكهة المحلية نادرة وسعرها مرتفع. مستنكرًا وجود منتجات دولة معادية بهذه الكمّ الهائل.
وتساءل كيف يسمح بدخول هذه السلع إلى بلادنا، وبيعها في أسواق بحرّية، بما فيها الفواكه التي لدينا أفضل وأجود منها، معتبرًا غزو هذه المنتجات للمدن اليمنية التي تقصف بالصواريخ الإيرانية جريمة بكل المقاييس.
منتجات متعددة وعروض مغرية
“حافظ النهاري”، مالك بسطة خضار في مدينة مارب، قال لـ“بران برس” إن أبرز السلع الإيرانية التي يشتريها هي التفاح. وعن السبب، أوضح أن الموزعين يأتون إليه ويلحون عليه لشرائها بسعر مريح مقارنة بالمنتج المحلي.
وبشأن السلع الإيرانية المتوفرة في السوق اليمني، ذكر النهاري، أصنافًا متعددة من الأغذية والمشروبات وحتى الأدوية، إضافة إلى الفواكه التي قال إنها تغرق السوق على مدار العام.
من جانبه، قال “صلاح علي”، وهو مالك بقالة بمارب، إن آخر سلعة إيرانية اشتراها كانت “ويفر”، مضيفًا أن أحد الموزعين أتى إليه وعرض عليه كميات كبيرة من هذا المنتج.
وعن ردود فعل الزبائن، أوضح “صلاح”، أن الكثير منهم أظهروا حساسية عالية من المنتجات الإيرانية، والبعض دخل معه في جدال حاد، مضيفًا أنه بات يتجنب شراءها رغم إلحاح الموزعين وتسهيلاتهم.
التاجر م.ع.أ، مالك محلات بهارات بعدّة محافظات، أكّد لـ“بران برس”، أنه لا يوجد متجر في اليمن إلا وفيه العديد من أصناف المكسّرات الإيرانية مثل الفستق واللوز والجوز والكاجو وغيرها.
وقال إن "هذه المنتجات تدخل البلاد رسميًا، وأغلب تجار الجملة في صنعاء، ويغطون البلاد بكل أصناف المكسّرات من إيران وغيرها. ولا يستبعد أن جماعة الحوثي باتت تدير هذه التجارة الرابحة وتستفيد من عائداتها".
واللافت بالنسبة له، هو "استيراد المشروبات والسلع الإيرانية المتوفرة في بلادنا، ومنها العصائر والكيك والفواكه التي تباع في الشوارع وأمام أسواق القتال بأسعار منخفضة، مرجحًا أن تكون خلفها جهات ضالعة في الصراع".
تهديد للمنتج المحلي
تسيطر الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا على كل المنافذ البرّية والبحرية التي تدخل عبرها الواردات، باستثناء موانئ الحديدة، والتي لا تزال خاضعة لسيطرة جماعة الحوثي المدعومة إيرانيّا، والمصنفة دوليًا بقوائم الإرهاب.
ولهذا استغرب المواطن عبدالله عبدالجبار (42 عامًا)، من موقف السلطات الرسمية التي تسمح باستقبال المنتجات القادمة من إيران. الدولة التي تدعم جماعة الحوثي بالأموال والأسلحة لقتل اليمنيين وتدمير البلاد.
وبصوت تغلب عليه المرارة، قال “عبدالجبار”، لـ“بران برس”، إن" أغلب المنتجات القادمة من إيران لا يحتاجها السوق اليمني"، والذي قال إنه "يمتلك قدرات صناعية في مجالات المياه والعصائر والبسكويت".
وأكّد أن استيراد مثل هذه المنتجات "يضر بالمنتج المحلي، ولا يخدم احتياج السوق بقدر ما يخدم مصالح جهات “مشبوهة” لها ارتباطات بجماعة الحوثي وإيران".
وشدد على أن "الأمر لا يتعلق بضرورة تجارية أو نقص في المعروض المحلي، وإنما يمثل غزوًا اقتصاديًا ناعمًا يهدف إلى تشويه السوق المحلية، وتقويض الصناعات الوطنية". محذّرًا من أن التدفق المتزايد للسلع الإيرانية يهدد آلاف الوظائف ويزيد من الاعتماد على الخارج.
ضغوط
تاجر جملة في صنعاء، تحدث لـ“بران برس”، مشترطًا عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، عن ضغوط تمارسها جماعة الحوثي على التجار لاستلام وتسويق منتجات إيرانية. مبيّنًا أن هذه الضغوط تشمل الترغيب والترهيب واستغلال العلاقات والولاء وكل ما من شأنه ضمان استمرار دخول هذه السلع وانتشارها في الأسواق المحلية.
وقال إن البعض يقبل بها حفاظًا على مصالحه وحماية تجارته، فيما يرفض آخرون التعامل لكنهم في الأخير يعيشون في بيئة تُفرض فيها قواعد العمل، ويتحول السوق التجاري إلى أداة للتأثير السياسي والاقتصادي.
حياد حكومي
حول الموقف الرسمي، أوضح مدير عام العلاقات والتعاون الدولي بمصلحة الجمارك، فضل البان، في تصريح لـ“بران برس”، أنه “لا يوجد حظر على استيراد المنتجات الإيرانية، لكنها تخضع لدرجة مخاطر عالية”.
ومع ذلك، قال إن هذه المنتجات تخضع لإجراءات تفتيش رقابية مشددة تشمل فحص الفواتير، الكميات، والمسار اللوجستي لضمان سلامتها ومطابقتها للمعايير.
وكشف البان، عن دخول نحو 830 طن من المنتجات الإيرانية عبر ميناء عدن خلال عامي 2023 و2024، وتنوعت بين البسكويت، والأدوية، والألبان، والحلويات، ومستحضرات غذائية، وعصائر ومياه، وسلع أخرى.
لا قرار
من جانبه، أكّد عمار عبدالله، ضابط الأمن في منفذ صرفيت بمحافظة المهرة، عدم وجود توجيهات رسمية حتى الآن تمنع دخول السلع الإيرانية. وقال لـ“بران برس”: “أي قرار بمنع سلع يأتي عبر مصلحة الجمارك في عدن، وإذا صدرت توجيهات رسمية بمنع دخول أي سلعة فمن المستحيل أن تدخل رسميًا”.
مصدر آخر في المنفذ ذاته، قال لـ“بران برس”، مفضّلاً عدم ذكر اسمه، إن دخول المنتجات الإيرانية عبر المنافذ الرسمية يتم بتنسيق وموافقة الجهات العليا، مع تطبيق إجراءات صارمة لمنع دخول السلع الممنوعة أو المهربة.
وأضاف أن الرقابة الأمنية المشددة والتنسيق بين الأجهزة نجح إلى حد كبير في الحد من التهريب، مع وجود بعض الثغرات التي تستغل أحيانًا من المهربين، ولا يستبعد استغلالها من قبل الجماعات التابعة لإيران.
نادرة ومحدودة
بدوره، قال المدير العام التنفيذي للهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، المهندس حديد مثنى الماس، إن المنتجات الغذائية المستوردة ذات المنشأ الإيراني “قليلة جدًّا”. موضحًا أنها “تنحصر في بعض العصائر والكيك والبسكويت وغيرها”.
وأكّد الماس، في تصريح لـ“بران برس”، عدم وجود “أي قيود أو تعاميم على دخول المنتجات الغذائية من هذا النوع”. وأضاف أن “جميع المنتجات تخضع لإجراءات الرقابة والتفتيش والفحص والاختبار والمطابقة”.
وكذلك، قال إن المنتجات الصناعية غير الغذائية ذات المنشأ الإيراني “نادرة وتخضع لإجراءات مشددة”، مضيفًا أن الهيئة “لم تسجل أي حالات تزوير أو تحايل في شهادات المطابقة”.
وفيما يتعلق بالأدوية، قال الماس، إن هذا الأمر لا يندرج ضمن اختصاص الهيئة، ويقع ضمن مهام الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية”.
وتحدث الماس، عن مخاطر محتملة من المنتجات الصناعية غير الغذائية ذات المنشأ الإيراني، وقال: نتعامل مع هذا الملف بحذر، خصوصًا المواد الخام ذات الاستخدام المزدوج في ظل ظروف الحرب التي تعيشها بلادنا.
وأضاف: نتوقع أن يتم استخدام أو استغلال بعض المستوردين، وربما يجبرون على إدخال مواد خام يمكن استخدامها في غير أغراضها التجارية الأصلية.
ومن واقع هذه الاحتمالات، قال: نشدد الرقابة على المنتجات الصناعية وخصوصًا المواد الخام والمنتجات الحديدية الثقيلة والأنابيب الصلبة وغيرها من الأصناف المماثلة. موضحًا أنه لم يتم تسجيل “شحنة من هذا القبيل باستثناء شحنة هلام بترولي (فازلين)، وتبين أن ليس لها مخاطر فعلية”.
تزايد ملحوظ وموقف غائب
مدير مكتب الصناعة والتجارة بمارب، ياسر الحاشدي، قال إن مكتبه رفع تقارير تفصيلية فيما يتعلق بالسلع الإيرانية إلى الجهات المعنية إلا أن الرد والقرارات الرسمية لم تصدر حتى الآن.
وأشار الحاشدي، في تصريح لـ“بران برس”، أن تأخر الرد الرسمي “يزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية في المحافظة”.. داعيًا مجلس القيادة الرئاسي والحكومة لاتخاذ موقف عاجل بهذا الشأن.
ووفق المسؤول المحلي، فإن دخول المنتجات الإيرانية يتزايد بشكل ملحوظ في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي بما فيها سلع لا حاجة فعلية لها في السوق المحلي. موضحًا أن بعضها يدخل عبر اتفاقيات قديمة، وبعضها عبر أسواق وسيطة في دبي وعُمان.
ولفت "الحاشدي"، إلى الشكوك المثارة حول توجيه عائدات هذه التجارة لتمويل أنشطة الجماعة المسلحة، خصوصًا مع غياب وكالات رسمية لبعض المنتجات.
لا إرادة
مصدر بوزارة الصناعة والتجارة في الحكومة اليمنية المعترف بها، قال لـ“بران برس”، مفضلًا عدم ذكر اسمه كونه غير مخوّل بالتصريح للإعلام، إن “استيراد المنتجات الإيرانية لا يخضع لأي حظر رسمي حاليًا”.
وأفاد بأن “الوزارة ليست مخوّلة باتخاذ قرارات قطع العلاقات التجارية مع أي دولة بذاتها”. وقال: “هذه قرارات سيادية، ولم يصدر حتى الآن أي قرار من مجلس القيادة أو رئاسة الوزراء بقطع العلاقات التجارية مع إيران”.
وأشار المصدر إلى أن الوزارة تدفع نحو اتخاذ قرارات واضحة تضمن حماية المنتج المحلي، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية وتوجيهات من أعلى المستويات.
غزو سلعي واستراتيجية إخضاع
الباحث اليمني عنتر الذيفاني، يرى أن تدفق المنتجات الإيراني ليس مجرد تجارة، وإنما استراتيجية إيرانية منظمة تهدف إلى إخضاع اليمن اقتصاديًا، وتحويله إلى سوق استهلاكية تعتمد بشكل كامل على إيران.
ووصف الذيفاني، هذا الأمر بأنه “غزو سلعي”، وقال إنه “يضعف المصانع اليمنية، ويؤدي إلى إغلاقها وتسريح آلاف العمال، وإفلاس المستثمرين الذين يجدون أنفسهم أمام منافسة غير عادلة مدعومة من أجندات سياسية".
وأضاف في حديثه لـ“بران برس”، أن “استمرار هذه السياسات يعني تكرار السيناريو الذي شهده العراق، حيث انهارت الصناعة المحلية وزادت تبعية البلد لإيران”، معتبرًا هذا “تهديدًا مباشرًا لأمن اليمن الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء”.
دعوة لموقف وطني
أجمع كثير ممن تحدثوا لـ“بران برس”، على أن تدفق المنتجات الإيرانية إلى اليمن “دون تنظيم أو مراقبة صارمة“ يشكل تهديدًا اقتصاديًا واجتماعيًا، وبالأخص القادمة عبر موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية.
وخلصت الآراء إلى ضرورة مواجهة هذه الظاهرة عبر تظافر الجهود الحكومية والسياسية، محذّرة من أن هذا الأمر يتجاوز حدود الاقتصاد ليجعل البلاد ساحة صراع سياسي وأمني، مؤكدين استحالة تحقيق السلام والاستقرار دون بتر أذرع إيران، وقطع كل أشكال الدعم الإيراني عنها.