|    English   |    [email protected]

شجارات قبل أذان المغرب.. لماذا يفقد بعض الصائمين أعصابهم في نهار رمضان؟ (تقرير)

الخميس 13 مارس 2025 |منذ يوم
بران برس بران برس

أعد التقرير لـ"برّان برس" - بلال فيصل:

“لا تكلم صائم بعد العصر”.. مقولة شعبية متوارثة في اليمن، ويتخذها كثير من اليمنيين قاعدة للتعامل مع الآخرين خلال نهارات شهر رمضان، خصوصًا قبل أذان المغرب، حيث تندلع العديد من الشجارات وحالات العنف تنتهي بعضها بالموت.

فمع حلول شهر رمضان المبارك، تتزايد أحداث العنف الفردية في الشوارع والأسواق اليمنية، خصوصًا بعد العصر، وتزداد حدّة قبل أذان المغرب بدقائق. وعادة ما يكرر الأشخاص المتشاجرون نفس الجملة: “أنا صائم، خلانا نصوم، لا تخلاني أفطر عليك”.

وتتضمن هذه السلوكيات السيئة التي يقترفها بعض الصائمين (المشادات والمشاحنات، والشجارات، والملاسنات، وحوادث العنف المختلفة)، ولا يكاد يمر يوم واحد في رمضان دون أن تحدث رغم أنها من جوارح عبادة الصوم.

حوادث العنف تأتي رغم الخطط الأمنية الاستثنائية التي عادة ما تعلنها السلطات المحلية قبل دخول شهر رمضان، بهدف ضبط الأمن خلال الشهر. فإضافة إلى حوادث العنف الفردية، أكدت تقديرات غير رسمية، زيادة حوادث الدهس والتصادم أو انقلاب المركبات بشكل ملحوظ في رمضان، خلافًا لباقي الشهور.

في هذه المادة، يسلط “بران برس” الضوء على هذه السلوكيات لبعض الصائمين، وكيف يمكن مواجهتها، وبيان المقصد من عبادة الصوم في تهذيب النفوس، وما علاقة الإمساك عن الطعام، وأيضًا النوم الطويل، طبيًا ونفسيًا، في تلف الأعصاب والانفعال الزائد في رمضان؟.

مقصد الصوم

محمد العربي، إمام وخطيب مسجد، تحدث لـ“بران برس”، عن فائدة الصيام في تهذيب النفوس، والسلوك، كمقصد شرعي قائلًا: “إن التوجيهات الربانية واضحة في ذلك من خلال بيان فضيلة الحِلم وكتم الغيظ أولاً، ثم فوائد ضبط النفس، وعدم الاندفاع، لما يترتب عليه من مفاسد دنيوية وأخروية، وفساد الصوم أو نقصانه واحدة منها''.

ولفت العربي، وهو متخصص في علوم الشريعة، إلى التوجيه الوارد في الحديث النبوي “بكتمان الغيظ مع وجود إساءة واضحة قد يتعرض لها الصائم (وإن سابه رجل أو قاتله فليقل إني صائم...)”.

روتين وتغيرات بيولوجية

حول الأسباب التي تجعل الصائم يفقد أعصابه سريعًا، وينفعل بشكل مبالغ فيه، أوضح الطبيب مراد الهتار، لـ“بران برس”، أن غالبية الناس ليسوا عصبيين في رمضان، وما يحدث مع القلة منهم من انفعال ونحوه، سببه الإضطراب في الروتين اليومي”.

وأضاف الدكتور الهتار، أن هؤلاء عصبيتهم ليست في رمضان فقط، ولكن تزداد مع الصيام  لتغير نظام نومهم، وأكلهم، وبعض العادات التي ألفوا عليها كتناول القات وبعض المنشطات وغيره. مضيفًا: “تجدهم يسهرون حتى وقت السحور، ثم ينامون إلى العصر، وبعدها مباشرة يخرجون للتعامل مع من حولهم”.

وأوضح أن “هذا الروتين المعكوس في النوم جعل نمط حياتهم يختلف٣٦٠ درجة بتغير الساعة البيولوجية الخاصة بهم، ما يجعلهم قلقين ومتوترين؛ ولذلك سرعان ما يفقدون توازنهم وتكون ردودهم عصبية وسريعة”.

الماء والمنبهات والتدخين

من أبرز الأسباب التي ذكرها الدكتور الهتار، المرتبطة بالعصبية في رمضان، نقص مستوى السكر في الجسم  ونقص الماء كذلك. وأيضًا الأشخاص الذين لا يتناولون وجبة السحور، أو يأكلون القليل منها، إضافة إلى مدمني شرب الشاي، والقهوة، والمنشطات من مشروبات الطاقة أو مسكنات الآلام وخاصةً التي تحتوي على الكافيين.

ويضاف إليهم المدخنين الذين توقفوا عن التدخين في نهار رمضان، وهم من النوع الذي يدخن كثيراً في الأيام العادية، وكذلك الرياضيين والأكثر نشاطًا وحركة في أيام الفطر، ثم يأتي رمضان ويتوقفوا عن ذلك.

وتوضيحًا لما سبق، قال الدكتور مراد، إن نقص الماء أثناء الصيام مع وجود جفاف أو العمل بمكان حار وبذل جهد كبير، يؤدي إلى خلل الوظيفة الحيوية للدماغ، فتضعف قدرته وينعكس ذلك على زيادة التهيج والعصبية والانفعال وضعف التركيز في تصرفات الشخص وسلوكياته، مؤكدًا أهمّية شرب الماء بكميات كافية خلال الليل.

وأما المدخنين، ولماذا هم أكثر الناس عصبية في رمضان، أوضح الهتار، أن انقطاعهم المفاجئ عن التدخين في نهار رمضان يؤدي إلى نقص في كمية النيكوتين التي اعتاد الجسم الحصول عليها يوميًا، ما يتسبب في حدوث أعراض تسمى أعراض انسحاب النيكوتين، تنتج عنها التوتر والعصبية الزائدة وسرعة الانفعال.

وعن المنبهات، مثل الشاي، والقهوة والكافيين، قال إنها من محفزات الجهاز العصبي التي تمنح الشعور بالنشاط والحيوية، والامتناع المفاجئ عنها يسبب أعراض ما يسمى انسحاب الكافيين التي ينتج عنها القلق، والعصبية، وسرعة الغضب، مع الشعور بالصداع والنعاس.

النوم ومشاكل أخرى

حول سبب العصبية في نهار رمضان، أوضح الأخصائي في الطب النفسي، صخر طه، أن الأمر يتوقف على الشخص نفسه، موضحًا أن “البعض إذا زاد نومه عن 7 ساعات يتلخبط مزاجه ويستيقظ وهو يشعر بالانزعاج والضيق؛ ولهذا قد يقع في شجار مع الآخرين”.

وأضاف: “كذلك الأشخاص الذين يعانون مشاكل في المعدة أو مصابين بالسكر أو أمراض باطنية أخرى؛ لا يتحملون الجوع والجهد، وهذا يسبب لهم الانفعال والعصبية”.

ولتجاوز ما سبق، ومن أجل الشعور بالهدوء والإستقرار النفسي، ينصح الدكتور صخر، بتمارين الاسترخاء.

قطع العادة عداوة

يسخر الصحفي أمجد خشافة، من الشجارات التي تحدث برمضان، ووصفه بأنه موسم للتصفيات. وقال في منشور كتبه بأول أيام شهر رمضان الجاري: “خرجت السوق.. وقفت أمام صاحب موتور وسألته مازحًا: ما قد في مضرابة حد الآن؟!. رد: والله عادنا فرعت بين اثنين”.

وعلق يوسف الصراري، قائلًا: “قدهم من أمس العشي (آخر يوم في شعبان)، خرجت بعد التراويح واثنين أصحاب مترات يتضاربوا وهم أصحاب يفرزوا سواء.. الخلاصة: المضرابة في رمضان من العادات والتقاليد وقطع العادة عداوة”.

من جانبه، أكد حمدي منير، أن مزاجه في رمضان يتغير ويصبح كثير المشاكل، قائلًا: “أربعة أيام صيام قد اختلفت وتصايحت مع نص اصحابي، ما بيكمل رمضان إلا وقدنا اتصايح انا وارجلي ولا ببقي لي احد”.

فلسفة الصيام

الشاب “محمد خالد”، يروي لـ“بران برس”، تجربته مع الصيام. في البداية قال إنه لم يكن يعلم الحكمة من الصيام، وهو ما جعله فرض ثقيل على نفسه، قبل أن يدرك أنها ترويض النفس وإكسابها مناعة ضد الشهوات، كشهوة الطعام والجنس والعنف.

وصحيًا، قال محمد خالد، إن “الصيام يزيد من إفراز هرمون النمو ويقوي المناعة، ويزيد قوة وكفاءة أعضاء الجسم، وهذا يفسر سبب تفجر الناس بالطاقة وسرعة استجابتهم للشجار والعنف أثناء الصيام”.

وعلى عكس ما كان يظن بأن الصيام متعب، قال: “عندما يكون الإنسان متعب ومرهق جداً يميل لتجنب العنف والشجار ويبحث عن الراحة”. 

وإجمالًا قال: لو نجح الصائم في ترويض نفسه واجتياز كل هذه التحديات المتمثلة بالجوع والجنس والعنف سيصبح إنسان خارق ويتغلب على أي تحديات”.

مواضيع ذات صلة