برّان برس - وحدة التقارير:
مثّلت محافظة مأرب (شمالي شرق اليمن)، على بعد نحو مئة كيلومترا إلى شرق العاصمة صنعاء، أحد أهم مراكز القوة الرئيسية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في البلاد، إذ سعت جماعة الحوثي المصنفة في قوائم الإرهاب، للسيطرة عليها.
وعلى مدى تسع سنوات هي عمر الحرب في اليمن التي اندلعت عقب اجتياح الجماعة المصنفة في قوائم الإرهاب، للعاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، ومنذ ذلك الحين فشلت الجماعة في السيطرة على المحافظة الاستراتيجية والنفطية، والتي تعد أهم معاقل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في شمال البلاد.
استماتت الجماعة في السيطرة على المحافظة، وقدمت آلاف القتلى لتحقيق حلمها، لإدراكها أنها بالسيطرة التي لم تتحقق على مأرب ستتمكن من تغيير المعادلة بشكل كامل، ليس معادلة الحرب والسلام، بل المعادلة داخل صفوف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
ورغم فشل الجماعة خلال جولاتها وحملاتها العسكرية المتعاقبة منذ 2015م في السيطرة على المحافظة، التي مثلت صخرة صلبة تحطمت عليها مشروع الجماعة، إلا أنها تمكنت من السيطرة على بضع مديريات في أطراف المحافظة، بات سكانها اليوم “يتجرعون كؤوس العذاب والإمتهان”، وفقا لشكاوى مواطنين تحدثوا لـ“بران برس”.
وفي حين تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، تنمية وازدها غير مسبوقين في تاريخ المحافظة، ومثلت نموذجا مشرقا لدولة النظام والقانون، تعيش المديريات الخاضعة لسيطرة الجماعة أوضاعاً مأساوية، سكانها باتوا أشبه بـ“معتقلين في سجن مفتوح”.
سجن مفتوح ومعابر مغلقة
وفي هذا التقرير، سُلط الضوء على معاناة المواطنين وتقييد تحركاتهم في المديريات المسيطر عليها جنوب مأرب، وإمتهانهم في معابر الخروج والدخول منها وإليها، حيث روى سكان لـ“بران برس”، صور متعددة لتلك المعاناة حيث لا يوجد إلا معبر وحيد يفتح يومين في الأسبوع، وإجراءات مشددة ضد السكان، ومنع لدخول السلع الغذائية من المناطق المحررة، وفرض أسواق خاصة بها.
يقول السكان إن سلطات الجماعة المصنفة عالمياً في قوائم الإرهاب، في مديريات سيطرتها بمأرب، “تفرض إجراءات مشددة على المواطنين وتمنع خروجهم منها دون إذن مسبق، وضمانات من شخصيات في المنطقة بالعودة، وعدم تجاوز الأيام المسموح بها”.
وذكر السكان لـ"برّان برس" أن سلطات الجماعة في المديريات المسيطرة عليها جنوب مأرب، تشترط على من يريد من المواطنين، الخروج إلى المديريات المحررة، تقديم طلب مغادرة لمشرف الحوثيين، يتضمن إيضاح سبب المغادرة، وضمانة خطية بالعودة موقعة من شخصيات اجتماعية في المنطقة، وإلتزام بعدم تجاوز الفترة المحددة”.
"وبعد تقديم الطلب والضمانات والإلتزام، يقوم مشرف الجماعة المصنفة في قوائم الإرهاب في المنطقة، برفع الطلب إلى قيادة الجماعة في العاصمة صنعاء، ويصدر بلاغ عملياتي عسكري يعمم على معابر المديريات التي تمنع خروج أو دخول أي مواطن إلا ببلاغ عملياتي”، وفقا للسكان.
“محمد صالح” اسم مستعار لمواطن ، يروي لـ“بران برس”، جانبا من معاناتهم جراء تقييد تحركاتهم، مشيرا إلى أنه “تقدم بطلب للمغادرة ولم تأتيه الموافقة إلا بعد يومين من تاريخ الطلب”.
ويضيف: “المعاناة والمأساة الحقيقة عندما يكون معك مريض تود إسعافه إلى خارج المنطقة، فإما يموت، أو تسوء حالته الصحية وتتفاقم أوجاعه حتى تأتي الموافقة بخروجه، في الوقت الذي لا تقدم سلطات الجماعة أي خدمات صحية سوى الإسعافات الأولية”.
يومان في الأسبوع
ومن ضمن الإجراءات التي تمارسها سلطات جماعة الحوثي المصنفة في قوائم الإرهاب، لتضييق الخناق على المواطنين في مديريات جنوب مأرب، إغلاق المعابر طوال الأسبوع وفتحها لبضع ساعات خلال يومين فقط.
يقول سكان لـ“بران برس”، إنهم وبعد اغلاق الطريق الرئيسي “مأرب - البيضاء” جراء الحرب، اتخذو طرق فرعية وعرة يسلكونها للوصول الى مناطقهم وقراهم، إلا أن الحوثيين سارعوا لفرض نقاط أمنية في تلك الطرقات والمعابر”.
وتربط المناطق الجنوبية في مأرب (رحبة، جبل مراد، ماهلية، العبدية، الجوبة)، والتي سيطر عليها الحوثيون في العام 2021م، بمدينة مأرب (عاصمة المحافظة) طريق واحدة فقط، ويعد معبر “الحرة” المنفذ الوحيد لتلك المديريات إلى عاصمة المحافظة.
محاكاة لإسرائيل
وأكد السكان إن الحوثيين حولوا حياتهم إلى “جحيم”، حيث يمارسون “إجراءات معقدة للعبور إلى ومن مأرب”، منوهين إلى أن الجماعة لا تسمح بفتح المعبر الوحيد “الحرة” إلا يومي السبت والإثنين، من كل أسبوع، ولبضع ساعات في النهار فقط”.
وذهب السكان في حديثهم لـ“بران برس”، إلى أن إجراءات الحوثيين في معابر جنوب مأرب “تضاهي إجراءات الاحتلال الإسرائيلي في معبر رفح”، حيث يتطلب الدخول والخروج من المعبر “تصريح وبلاغ عملياتي من غرفة عمليات الحوثي في صنعاء”.
المواطن (ق .م) يقول في حديث لـ“بران برس”، إن التصريح والبلاغ يحتاج إلى فترة زمنية للموافقة عليه من صنعاء، قد تصل إلى ثلاثة أسابيع على أن تقدم بيانات تشمل رقم هاتف الشخص المراد عبوره أو مغادرته المنطقة، وكذلك الأغراض التي يصطحبها معه.
وأشار إلى أن سلطات الجماعة في مناسباتها الخاصة، ترفض منح أي تصاريح دخول أو خروج، وتجبر المواطنين على البقاء في المعبر حتى تنتهي المناسبة.
أما الحاجة "جمعة" فتقول إنها “استمرت ثلاثة أسابيع تنتظر موافقة الحوثيين منحها تصريح خروج، وبعد الموافقة غادرت المنطقة، إلا أن الحوثيين أجبروها على العودة بعد أن قطعت مسافة تزيد عن أربع ساعات من منطقتها، بسبب أنها اصطحبت معها "غسالة".
ولفتت “جمعة” في حديثها لـ“برّان برس”، إلى أن الحوثيين منعوها من اصطحاب “الغسالة” لأنها “ليست مرفقة في تصريح الخروج”، حيث يفرض الحوثيون على السكان في حال المغادرة تقديم عريضة بكافة المستلزمات والاغراض التي سيصطحبها اثناء المغادرة.
معبر الموت
الطفلة “رهف عبدالله صالح” من أبناء مديرية “الجوبة” قرر مستشفى الجوبة نقلها إلى مدينة مأرب بعد أن عجز عن تقديم الرعاية الصحية اللازمة لها، فسارعت أسرتها لاستئجار سيارة بمبلغ باهض إلا أن معبر الحوثيين في نقطة "حرة" منع مرورها بحجة أنها بدون تصريح.
وطبقا لمصادر مقربة من الطفلة، تحدثت لـ“برّان برس”، فإن أسرة “رهف” حاولت لمدة أربع ساعات لإقناع عناصر الحوثي في المعبر السماح بمرورهم، ورغم توسل الأسرة، وبكاء والدتها رفضت تلك العناصر “قطعيا” السماح لها، لتفارق الحياة بين ذراعي والدها.
أسواق إجبارية
ويقول سكان المديريات الجنوبية، إنهم ينظرون للوضع في مناطقهم، “بحسرة وألم" وهم يتكبدون "الإذلال والإمتهان والحصار”، بعد أن كانوا يعيشون بكرامة وعزة، ويتنقلون بحرية مطلقة قبل أن تحكم الجماعة سلطاتها على مناطقهم بقوة السلاح.
ويشكو سكان التقاهم “بران برس”، من منع عناصر الحوثي “إدخال السلع الغذائية القادمة من المناطق المحررة في مأرب، عبر معبر حرة، ويقومون بمصادرتها، لإجبار المواطنين، على الشراء من أسواق تابعة للجماعة (سوق قانية وماهلية) وبالأسعار التي تفرضها هي.
ويذكر السكان أن من بين الاحتياجات اليومية التي يمنع عناصر الجماعة استقدامها من مأرب، مادتي البترول والغاز المنزلي، رغم فارق السعر الكبير بين مأرب وأسواق الجماعة، التي تفوق في بعض الأصناف الاستهلاكية الضعف، إضافة الى المواد الاستهلاكية اليومية والسجائر، وتفرض غرامات باهظة على أي محاولة لهم إدخال تلك المواد.
وأشاروا إلى أن الحوثيين يبيعون الجالون البترول سعة 20 لتر بـ9500 عملة قديمة أي ما يعادل 68 ريال سعودي، فيما بالإمكان شراءها من مدينة مأرب والمناطق المحررة بما يعادل 19 ريال سعودي من العملة القديمة.
كذلك أسطوانة الغاز، حيث تباع بـ 6500 ريال عملة قديمة في أسواق الحوثيين، أي ما يساوي 19 ريال سعودي، فيما يحصل عليها المواطنون في المديريات والمناطق المحررة بما يعادل 12ريال سعودي عملة قديمة، كذلك سعر الدقيق الذي قال السكان إنه يباع في أسواق الحوثيين بـ 121ريال سعودي
(ع .ف) مواطن من أبناء مديريات جنوب مأرب، قال إنه دفع 5000 ريال سعودي للحوثيين في المعبر، تحت مسمى غرامة وضرائب كمية من الغاز المنزلي والسجائر، وكتب تعهد خطي بعدم تكرار محاولة ادخال تلك المواد مرة أخرى، لافتا إلى أن الحوثيين لايزالون يحتجزون سيارة مواطن منذ ثلاثة أشهر كانت محملة بمواد غذائية قادمة من مأرب.
في السياق، شكا سكان لـ"برّان برس" مصادرة الحوثيين لأموال المواطنين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة في مأرب، في معبر "حرة" بحجة أنها من العملة الجديدة في مناطق الشرعية بمأرب.
وضع اقتصادي مزري
وإضافة إلى تقييد الحركة وارتفاع الأسعار، يعاني سكان مديريات جنوب مأرب إنقطاع الرواتب فيما كان غالبية سكان تلك المديريات يعتمدون على المرتبات، التي قطعتها جماعة الحوثي، بعكس موظفي المديريات المحررة اللذين تنتظم سلطات المحافظة في دفع رواتبهم.
حتى أولئك اللذين لا يعتمدون على المرتبات، وتقوم حياتهم على المنتجات المحلية من مواشي ومنتجات زراعية، يعانون من سطوة الجماعة وإجراءاتها، وفقا لسكان أكدوا لـ“بران برس”، أن منتجاتهم “تتعرض للبخس في أسواق الحوثيين، عند البيع فيما تغالي بها عند الشراء، فيما يتطلب نقلها الى مأرب لبيعها بسعر مناسب، الى أجور مضاعفة حيث تبلغ تكلفة التنقل من وإلى مأرب أمثر من 50 ألف ريال للشخص الواحد، ناهيك عن الضرائب التي تفرضها الجماعة.
ونتيجة تضييق عناصر جماعة الحوثي المصنفة في قوائم الإرهاب وتقييد حركة المواطن، والوضع الإقتصادي الذي وصفه السكان بـ“المزري”، اضطر بعض سكان المديريات الجنوبية، للمغادرة بشكل نهائي.
تغيير ديموغرافي
واتهم السكان جماعة الحوثي المصنفة في قوائم الإرهاب، بتعمد تلك الإجراءات والمضايقات، والتي قالوا إنها في إطار “سياسة ممنهجة” تهدف إلى “تطفيش” السكان وإجبارهم على الهجرة من منازلهم وقراهم، مؤكدين تمسكهم بالأرض ومقاومة كل أساليب ومحاولات الجماعة لتهجيرهم.
وفق إحصائية شبه رسمية، حصل عليها “برّان برس”، فإن 95% من سكان مديرية الجوبة، غادروها عقب اجتياح الحوثي لها، وأن نحو 80% من منازل المواطنين في المديرية اقتحمها الحوثيون وبسطوا سيطرتهم عليها.
وطبقا لسكان محليون، فإن الحوثيون استقدموا أسراً من صعدة وحجة وعمران، إلى المنطقة، وقاموا بتسكينهم في منازل المواطنين المنهوبة، فيما بات السكان الأصليون غرباء في ديارهم نتيجة التغيير الديمغرافي الذي تسعى الجماعة لإحداثه.