|    English   |    [email protected]

خبراء اقتصاد يتحدثون لـ“برّان برس” عن السيناريوهات المتوقعة للوضع الاقتصادي في العام الجديد ومصير العملة بعد الدعم السعودي (تقرير)

السبت 4 يناير 2025 |منذ يومين
سيناريوهات الوضع الاقتصادي في العام خلال العام 2025 سيناريوهات الوضع الاقتصادي في العام خلال العام 2025

أعد التقرير - لـ"برّان برس"- نواف الحميري:

في الأشهر الأخيرة من العام 2024، بلغت الأزمة الاقتصادية في اليمن ذروتها، وأصبحت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، عاجزة حتى عن دفع مرتبات الموظفين لعدّة أشهر، وهو ما دفعها لمناشدة المجتمع الدولي لإنقاذ الوضع الكارثي.

وعلى إثر سلسلة اجتماعات عقدها مجلس القيادة الرئاسي اليمني، في العاصمة السعودية الرياض، أعلنت الأخيرة (الجمعة 27 ديسمبر/ كانون الأول 2024)، عن دعم اقتصادي جديد للحكومة اليمنية بقيمة 500 مليون دولار أمريكي.

الدعم السعودي شمل مبلغ 300 مليار دولار كوديعة للبنك المركزي اليمني، ومبلغ 200 مليون دولار كدفعة رابعة لدعم معالجة عجز الموازنة للحكومة اليمنية، وعم مرتبات وأجور ونفقات التشغيل والأمن الغذائي في اليمن.

رئيس الحكومة اليمنية "أحمد عوض بن مبارك”، قال إن الدعم سيمكن حكومته من دفع مرتبات موظفي الدولة وإيقاف التدهور في سعر العملة، كما سيمكنها من المضي بإصرار في برنامج الإصلاح المالي والإداري ومكافحة الفساد.

تحديات ثقيلة

يناقش “بران برس”، في هذا التقرير، الوضع الاقتصادي في اليمن خلال العام الجديد، الذي تزامن مع وصول الدعم السعودي الجديد لمعالجة عجز الموازنة الحكومية، ومع إعلان الحكومة اليمنية إعادة هيكلة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وتشكيل اللجنة العليا للمناقصات والمزايدات، والهيئة العليا للرقابة على المناقصات والمزايدات.

ويبحث مع خبراء ومختصّين السيناريوهات المحتملة على ضوء مؤشر الأداء الاقتصادي للحكومة خلال الفترة الماضية، ومسار الإصلاحات الشاملة التي أعلنتها، وكذا أثر الدفعة الجديدة من المنحة المالية السعودية على قيمة العملة وأسعار السلع. 

يضاف إلى ذلك، الإجراءات والقرارات الحكومية المطلوبة لمواجهة التحديات الاقتصادية وتحسين أدائها، وآلية استغلال الدعم الإقليمي والدولي في تحسين الوضع الاقتصادي.

 أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، د. محمد قحطان، يرى أن “الأوضاع الاقتصادية ستكون أسوأ من العام الماضي، إن ظلت الأوضاع كما هي ولم يتحقق السلام، ولم تتخذ الحكومة الشرعية أية معالجات جادة لمواجهة الفساد في الأوعية الإرادية للدولة”.

وبناء على المعطيات الحالية، يتوقع “قحطان” في حديث لـ"برّان برس"، أن “السنة الحالية 2025 ستكون مثقلة بتحديات اقتصادية صعبة”.

وبرأيه، فإن أغلب الإشكاليات التي عانى منها الإقتصاد اليمني، وألحقت ضررًا كبيرًا في معيشة اليمنيين ما تزال قائمة، مثل تجزئة المؤسسات، والانقسام النقدي، ونهب الموارد، وتعطيل الصادرات النفطية، ووقف صرف رواتب الموظفين للعام التاسع في مناطق سيطرة الحوثيين.

ولهذا، يتوقع أن “ملامح العام الجديد، ستكون ربما بذات المستوى من البؤس بالنسبة للمواطنين”.

اختلالات وحلول جذرية

ويتفق الصحفي المختص بالشأن الإقتصادي، وفيق صالح، بأن “المشكلات والاختلالات الاقتصادية ما تزال قائمة، ولذا فإن ملامح العام الجديد لن تختلف عن الوضع الحاصل في العام السابق”.

وفي حديث لـ"برّان برس"، رجح "وفيق"، أنه في حال عدم وجود “تحركات جادة لمعالجة الأزمات والمعضلات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني بشكل عام، فإن الفترة القادمة ستشهد مضاعفات خطيرة للأزمة الاقتصادية وتداعياتها على الوضع المعيشي للمواطنين”.

ويقول: “إذا لم تحدث وقائع مفاجئة تعكس هذه التوقعات وتحاول إعادة لملمة الأوضاع في البلاد إلى الأفضل وتعمل على إنعاش ومعالجة الأزمات الاقتصادية، فإن الوضع المعيشي والإنساني سيستمر بالتدهور والتراجع”.

وأكد أن ”الاقتصاد اليمني يمر بمرحلة حرجة، ويشهد تدهورًا على كافة المستويات، خصوصاً مع تعطل أهم الصادرات اليمنية، وتجزئة الموارد المحلية، وغياب الإصلاحات والخطط الرشيدة”.

وفي مثل هذه الحالات، “تكون البلاد بأمس الحاجة إلى الدعم المالي لإعادة إنعاش الاقتصاد، ومعالجة الأزمات، وتحقيق الاستقرار المعيشي، وفق الصحفي وفيق صالح.

وحول ما يتم الإعلان عنه كدعم للحكومة حالياً، يعتقد "وفيق صالح"، أنه “لا يرقى إلى حجم الأزمات التي يعاني منها الإقتصاد اليمني”، مشددًا على أن “حل المشكلة الاقتصادية بحاجة إلى حلول جذرية، ودعم أكبر يتزامن مع إصلاحات ومعالجات شاملة في المؤسسات المالية وتفعيل الصادرات المعطلة”.

توقعات متشائمة وتحديات

لا يختلف الأمر كثيرًا لدى رئيس مركز الإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، الذ أكد أن “كل التوقعات للواقع الاقتصادي للعام القادم للأسف متشائمة في ظل توقف كثير من مصادر الدخل للحكومة اليمنية، وتأخر رواتب الموظفين، وتراجع القوة الشرائية للريال اليمني، وتراجع مستوى دخل الفرد وارتفاع تكاليف الحياة”.

وعن الإجراءات التي أعلنتها الحكومة للتعاطي مع الأزمة خلال عام ٢٠٢٥، قال مصطفى نصر، في حديث لـ"برّان برس"، إنها “غير واضحة المعالم، وأنه لا يوجد برنامج حكومي يتم تقديمة إلى مجلس النواب ليتم إقراره وموازنة واضحة”.

وقال إن الحكومة تعاني “شحة الإيرادات، وقد تصل إلى مرحلة الإفلاس”. موضحًا أن “هذا الأمر، دفع السعودية لتقديم الدعم لها عن طريق الوديعة والمساعدة بـ٢٠٠ مليون دولار”.

وأشار إلى أن هذه المساعدة “ستغطي احتياجات الحكومة لعدّة أشهر لتغطية المرتبات وللحفاظ على استقرار العملة في وضعها الحالي خلال العام ٢٠٢٥، ما لم يكن هناك تغيرات وإجراءات للحد من أزمة السيولة، وأزمة النقد الأجنبي”.

الخبير الاقتصادي، عبد الواحد العوبلي، يرى من جانبه، أن “الوضع الاقتصادي في اليمن للعام الجديد سيظل يواجه تحديات كبيرة رغم الدعم الذي تقدمه الوديعة السعودية”. 

"العوبلي"، توقع في حديث لـ“بران برس”، أن “تستمر الضغوط على الاقتصاد المحلي لعدة عوامل أساسية تشمل استمرار الحرب والنزاعات، وقلة الاستثمارات الخارجية. فضلاً عن ضعف الحكومة المركزية في تنفيذ السياسات الاقتصادية الفعّالة، وكذا التضخم المستمر وانخفاض القدرة الشرائية سيبقيان التحدي الأكبر”.

اختلال وضبابية

عن التحديات الاقتصادية، قال الخبير الاقتصادي، مصطفى نصر، لـ“بران برس”، إن “هناك اختلال في الميزان التجاري وخاصة مع توقف تصدير النفط والغاز، وأيضاً مشكلات كبيره في توقف صادرات المنتجات الزراعية والسمكية وغيرها”.

وأوضح أن “هذا يسبب مشكله تضاف إلى التحديات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة”. مبينًا أن “أسباب التراجع المستمر للعملة هو معاناة البلد من شحة النقد الأجنبي جراء توقف الكثير من المصادر كالصادرات، وتراجع المنح والمساعدات الأجنبية، وتوقف الكثير من البرامج الدولية الداعمة لليمن”.

وإضافة إلى ذلك، تحدث عن “هجرة الكثير من الاستثمارات اليمينة إلى الدول الأخرى، واستقرارها في الخارج، موضحًا أن “هذا يؤدي إلى رحيل الكثير من الأموال إلى هذه الدول”.

ويرى أن “هذا الأمر أثر على احتياطي البلد من العملات الأجنبية، وعدم مقدرة البلد على مواجهة فاتورة الاستيراد، حيث إن اليمن تستورد ٩٠٪ من احتياجاتها من الخارج. وقال إن “هذا يشكل ضغط كبير على العملة وبالتالي يحدث تراجع مستمر للعملة المحلية”.

واعتبر “مصطفى نصر”، المشهد الاقتصادي الحالي انعكاسًا “للضبابية في المشهد السياسي”. موضحًا أنه “لا يوجد حرب فعلية، وانتقلت الحرب إلى حرب اقتصادية”.

وتمثلت هذه الحرب في “انقسام العملة والإجراءات المزدوجة بين الطرفين في عدة مجالات مثل الضرائب والجمارك وفرض قيود على القطاع الخاص في مناطق سيطرة الحوثيين عدم توفير البيئة الملائمة والمشجعة في مناطق سيطرة الحكومة”. وكل هذا أسباب تدفع بالوضع الاقتصادي للهاوية، وفق قوله.

أسباب استمرار تراجع العملة

وعن أسباب استمرار تراجع قيمة الريال اليمني بطبعته الجديدة مقابل العملات الأجنبية، أوضح الاقتصادي محمد قحطان، أن ذلك “يعود إلى استمرار الحرب، وتوقف صادرات النفط والغاز، وعجز الحكومة عن مواجهة الفساد واستعادة مؤسسات الدولة”.

ومن الأسباب أيضًا، بقاء مسؤولي الدولة واستقرارهم مع أسرهم في الخارج، إضافة إلى تضخم السلك الدبلوماسي، والذي قال إنه “يستنزف كل ما يتاح للدولة من النقد الأجنبي، ويؤدي إلى عدم استقرار رأس المال الوطني داخل اليمن”. إلى جانب عوامل الفساد، وتهريب العملة الأجنبية للخارج، والمضاربة، كل تلك العوامل وغيرها أسباب لاستمرار التدهور.

أما الاقتصادي "العوبلي"، فيفسر استمرار تراجع الريال اليمني رغم وديعة الـ300 مليون دولار من السعودية، بعدة عوامل، قائلاً: “عندما تُستخدم الوديعة لدفع الرواتب، يتم ضخ المزيد من الريالات في السوق، مما يزيد من العرض النقدي. 

وفي ظل هذا العرض الزائد، قال: “يرتفع الطلب على العملات الأجنبية مثل الدولار والريال السعودي، حيث يتجه المواطنون لشراء تلك العملات كوسيلة للحفاظ على قيمة مدخراتهم في ظل تآكل قيمة الريال اليمني”. 

وذكر أن كثيرًا من المواطنين والمؤسسات يميلون إلى تحويل أموالهم إلى العملات الأجنبية خوفًا من تدهور قيمة الريال، مما يخلق طلبًا إضافيًا على هذه العملات ويضغط على سعر الريال.

وحينها، قال: “يستغل تجار العملة، أو هوامير الصرف، لبيع الدولار بأسعار مرتفعة، ما يساهم في رفع سعر الصرف”.

من ناحية أخرى، “استمرارية عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في اليمن، والصلف الحوثي عبر فرض الانقسام النقدي، ونهب موارد البلد، والاستيلاء على الموارد السيادية”، وكذا “فشل وفساد أجهزة الشرعية والسفه في الانفاق غير المبرر“. كل هذا، قال إنه “يضمن استمرار انهيار الاقتصاد اليمني.

نزيف متواصل

منذ سيطرة جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب على العاصمة اليمنية صنعاء أواخر 2014، يشهد الاقتصاد اليمني انهيارًا متواصلًا، خلّف آثارًا اقتصادية واجتماعية وصفت بـ“الكارثية” ضربت حياة اليمنيين في أنحاء البلاد.

وتضاعفت الأزمة المالية مع منع الجماعة تصدير النفط في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بقصفها موانئ التصدير شرق البلاد، مشترطة تقاسم العائدات مع الحكومة اليمنية المعترف بها التي تواجه أزمة نقدية خانقة مع خسارتها أهم مواردها.

وعلى وقع هذه الأزمة، تراجع سعر العملة المحلية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية إلى أدنى مستوى له أمام العملات الأجنبية، متجاوزًا 2060 ريال مقابل الدولار الواحد، في حين سجل الريال السعودي 541 ريالًا للبيع.

ونهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2024، قال تقرير للبنك الدولي، اطلع عليه “برّان برس”، إن الاقتصاد اليمني ما زال يواجه تحديات متفاقمة، حيث يؤدي طول أمد الصراع، والتشرذم السياسي، وتصاعد التوترات الإقليمية، إلى دفع البلاد إلى منزلق أزمة إنسانية واقتصادية أكثر حدة وخطورة.

وأكّد تقرير البنك الدولي، أن توقف تصدير النفط، إلى جانب الاعتماد الكبير على الواردات، أدى إلى تكثيف الضغوط الخارجية، مما تسبب في انخفاض قيمة الريال اليمني بشكل غير مسبوق. متطرقًا إلى المخاطر المحتملة على القطاع المصرفي اليمني، الذي قال إنه "واجه توترات متصاعدة بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليًا فيما يتعلق بالمراقبة التنظيمية في النصف الأول من العام". 

وتوقع البنك أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي لليمن بنسبة 1 % في عام 2024، في استمرار للانخفاض، وذلك بعد انخفاضه بنسبة 2 % في عام 2023، مشيراً إلى أن ذلك “يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، لتصل نسبة الانخفاض إلى 54 %منذ العام 2025.

مواضيع ذات صلة