|    English   |    [email protected]

أوكار طائفية في أحياء العاصمة صنعاء تعيد تشكيل وعي الفتيات وتخضعهن للتجنيد (تقرير)

الجمعة 30 مايو 2025 |منذ يوم
أوكار طائفية في أحياء العاصمة صنعاء تعيد تشكيل وعي الفتيات وتخضعهن للتجنيد (تقرير) أوكار طائفية في أحياء العاصمة صنعاء تعيد تشكيل وعي الفتيات وتخضعهن للتجنيد (تقرير)

أعد التقرير لـ"بران برس" - هند محمد:

منذ انقلاب جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب، وسيطرتها على العاصمة صنعاء أواخر العام 2014، لم تتوقف عن تفريغ العملية التعليمية من مضمونها المدني، وتحويلها إلى أداة للتعبئة الأيديولوجية وغرس الولاء العقائدي.

فإلى جانب حرمانها المدارس من أبسط حقوقها في التمويل والتأهيل، ضخّت الجماعة ملايين الدولارات لتمويل مراكز ودورات صيفية تستهدف الأطفال والفتيات ضمن مساعيها لإعادة تشكيل الوعي على أسس مذهبية مغلقة.

في أحدث خطوة، أصدرت الجماعة الحوثية قرارًا يمنع تدريس اللغة الإنجليزية في الصفوف الأولى من المدارس الخاصة بذريعة “تعزيز الهوية اللغوية”، غير أن الوقائع تشير إلى مساعٍ حثيثة لإحلال مواد عقائدية تروّج لأيديولوجيتها السلالية، في ظل ما تشهده المدارس من أنشطة تعبئة فكرية تحت إشراف جهاز “الزينبيات”، الذراع الأمني النسوي للجماعة.

تعبئة فكرية بلا رقابة

وفقاً لشهادات فتيات تحدثن لـ“بران برس” تُعقد هذه الدورات في عدد من المدارس والمراكز المغلقة في فترات ما بعد الظهر تقدم الدروس تحت عناوين خادعة كـ“التثقيف الديني” أو “التحصين الفكري”، بينما يجري في الواقع تلقين الطالبات مضامين عقائدية تدور حول فكرة “الولاية” وتمجيد رموز الجماعة.

نُسيبة ح. م، طالبة في المرحلة الإعدادية، واحدة من عشرات الفتيات اللواتي وجدن أنفسهن فجأة داخل ما تصفه بـ“معسكر تعبوي مغلف بثوب ديني”. قالت لـ“بران برس”: لم تكن دورة صيفية كما أخبرونا كانت جلسات تلقين فكري مكثفة تُفرَض علينا كحقائق لا يمكن مناقشتها. المشرفة الحوثية تتحدث بلغة حماسية تزرع فينا مفاهيم مغلوطة عن الإسلام وتُشوه صورة الصحابة وتمجيد سلالة آل البيت وحقهم المطلق في الحكم والثروة. 

وأضافت نسيبة، أن المحاضرات تتخللها مشاهد مصورة لعمليات عسكرية، وانتصارات مزعومة تُقدَّم كأدلة على “نصر إلهي” مرتبط بطاعة القائد، الذي كانت المشرفة تصفه بـالسيد المفوّض من الله.

وفي خضم هذه التعبئة، تُمنع الأسر من الحضور إلى الدورات أو الاطلاع على محتوى هذه الأنشطة ما يخلق بيئة مغلقة تخلو من أي رقابة تربوية أو مجتمعية. 

في حديثها لـ“بران برس”، قالت رباب فيصل، وهي إحدى طالبات مركز "السنباني" بمديرية الوحدة، إن المدربات كن يطلبن منا عدم إخبار أهلنا بما نتعلمه لأنهم لا يفهمون الدين الحقيقي، في إشارة إلى محاولة فصل الفتاة عن سلطة الأسرة لصالح الولاء للجماعة.

تهميش التعليم الرسمي

تستغل جماعة الحوثي، أوقات الفراغ لدى الفتيات وإقصائهن عن أي محتوى علمي حديث؛ لإعادة تشكيل وعيهن التربوي والثقافي وربطه بالمشروع الطائفي. يتجلّى هذا التوجه من خلال تهميش التعليم الحكومي لصالح دورات تروّج لمفاهيم “الولاية” و“الجهاد”.

يصف التربوي بكيل السماط، في حديثه لـ“بران برس”، هذا التوجه الحوثي بأنه “مشروع تجهيل وتعبئة لا مشروع تعليم يتم فيه تحويل المدارس إلى حواضن فكرية لجيل مستلب عقائدياً فاقد للقدرة على النقد أو الانفتاح”. وقال إن “الملازم لا تُعلّم الطالبة كيف تفكر بل تُلقّنها كيف تطيع”.

أضاف "السماط"، أن المدارس في صنعاء تحولت إلى ثكنات عسكرية طائفية ما يُنذر بإعادة صياغة الوعي الجمعي للأجيال المقبلة وفق رؤية أيديولوجية مغلقة ومتمركزة حول “السيد القائد”. مشيرًا إلى أن الهدف ليس تنمية المرأة بل صناعة جهلٍ موجه يؤدي إلى خلق قاعدة بشرية تُقاتل وتطيع وتُقدّس القائد دون أن تسأل أو تناقش.

من جانبه، حذّر الموجه التربوي، أمين الشاطبي، من استمرار سياسة التدمير الممنهج الحوثية لما تبقى من قطاع التعليم العام وحرمان ملايين الطلبة من حقهم الدستوري في التعليم المجاني بقطاعيه الأساسي والثانوي والعالي.

وأشار في حديثه لـ“بران برس”، إلى أن هذا “ينذر بكارثة تفاقم نسبة الأمية بشكل كبير في أوساط الجيل القادم”.

في أحدث تقاريرها بشأن التعليم في اليمن، أشارت الأمم المتحدة، إلى أنه في غضون ما بين 5 و10 سنوات، ربما يكون الجيل القادم أميًا، وربما لا يعرف الحساب، ولديه القليل جدًا من المهارات الحياتية والتأسيس، وهذا سيكون أمرًا إشكاليًا أكثر وأكثر مع انتقال البلاد إلى المرحلة التالية مع جيل جديد.

واستغرب التربوي الشاطبي، تجاهل الجماعة الحوثية للدعوات الدولية والمجتمعية بالتوقف عن تدمير قطاع التعليم، وقال إنها قابلت كل هذه الدعوات بملشنة وتطييف المناهج الدراسية والعبث بها، فضلاً عن استمرارها باتخاذ قرارات ارتجالية وغير مدروسة، مثل قرار منع تدريس اللغة الانجليزية في الصفوف الثلاثة الأولى. 

المصادر التربوية عبّرت عن مخاوف متصاعدة في ظل غياب الرقابة التعليمية المستقلة، واستمرار الحوثيين في التضييق على المدارس الأهلية التي ما زالت تحاول التمسك بالمناهج الرسمية، وفي الوقت ذاته تسعى الجماعة لإعادة إنتاج “المعلم” كأداة تعبئة، بعد أن كان يوماً ما رسول معرفة وتنوير.

من التلقين إلى التجنيد

لا يقتصر دور المراكز الصيفية الحوثية على التلقين الديني أو العقائدي إنما تتعداه لتصبح بوابة للتجنيد الأمني والاستخباراتي خاصة في صفوف الفتيات الصغيرات، إذ تقول مصادر إن الجماعة ترصد الطالبات الأكثر حماسًا وولاءً ليتم لاحقاً استقطابهن وتدريبهن ضمن كتائب “الزينبيات”.

ووفق الناشطة الحقوقية “رانيا منصور”، لـ“بران برس”، فإن الجماعة لم تعد تكتفي بإخضاع المرأة وإقصائها عن المجال العام، وإنما تسعى لتحويلها إلى أداة طيّعة ومؤمنة بالعقيدة السلالية، وتحريض المشاركات على اتخاذ جميع ما يلزم من الأدوات والوسائل القمعية

وأضافت رانيا، أن الجماعة تهدف بنهاية الدورات تخريج دُفعات جديدة من المجندات للالتحاق بالتشكيل العسكري النسائي التابع لها، والذي من مهامه قمع النساء والفتيات المناوئات، والتجسس عليهن، ومداهمة المنازل، وتنفيذ أعمال انتقامية أخرى.

وأشارت إلى أن هذه الاستراتيجية تُمثل تحولاً جذرياً في استخدام المرأة داخل مشروعها إذ لم تعد تُعامَل ككائن ضعيف يجب عزله، بل كعنصر يمكن تسخيره لنشر الفكر وتوسيع النفوذ، خاصة في الأوساط النسائية التي يصعب اختراقها من الذكور.

من جانبها، أوضحت “هند محمد”، وهي منشقة عن كتائب الزينبيات، إن المهام في بدايتها اقتصرت على تفتيش النساء في النقاط الأمنية، وهو ما لاقى ارتياحًا نسبياً من قِبل كثير من الأسر لكن مع مرور الوقت بدأ الجهاز يوسّع من صلاحياته ويكلفنا بمهام إضافية تفوق قدراتنا وتخرج عن نطاق التوصيف الأولي.

ومن هذه المهام، وفق هند، “التوعية الثقافية الموجهة، والمشاركة في حملات ميدانية لمداهمة المنازل، وهو ما تسبب بضغط نفسي وأخلاقي كبير علينا”.

وقالت في حديثها لـ“بران برس”، أن كثيراً من المجندات لم يخبرن عائلاتهن بطبيعة التحول الحاصل في أدوارهن داخل هذا الجهاز. 

نموذج إيراني

بحسب المهتم في التحليلات الفكرية والسياسية للصراع، عادل الأحمدي، فإن هذا المسار يُعيد إنتاج نماذج شبيهة بما قامت به الجماعات مثل حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، حيث جرى دمج التعليم والمناسبات الدينية والأنشطة الصيفية في عملية منظمة لغرس الولاء السياسي والطائفي لدى الناشئة.

وقال الأحمدي، في حديثه لـ“بران برس”، إن الحوثيين يستخدمون النموذج الإيراني كمرجعية صلبة لكنهم يطوّعونه محلياً بما يناسب السياق اليمني مع اعتماد خاص على المرأة كأداة أمنية ناعمة يصعب كشفها.

وأضاف أن كثيراً من المشرفات على هذه الدورات هن عناصر من كتائب "الزينبيات" خضعن لتدريبات كل من إيران والعراق، ضمن برامج مغلقة تهدف إلى إعدادهن كأدوات تأطير فكري وبث الولاء داخل أوساط الفتيات.

وتؤكد معظم الآراء التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي أصبح وسيلة للتحريض على العنف والإرهاب بدلًا عن التربية الحسنة والتعليم التنموي، فيما أصبحت المناهج الدراسية قنبلة موقتة تنفح بأفكار طائفية سلالية تزيد الانقسام المجتمعي، وتشجع على التخلف والجهل، وكل ذلك يهدد كل فرص التعايش والسلام.
 

مواضيع ذات صلة