|    English   |    [email protected]

عبد الله الحمدني.. قصة تحدي لمزارع يمني أنقذ قريته من العطش بعد 11 عامًا من الحفر في الصخر

الخميس 29 مايو 2025 |منذ يوم
عبد الله الحمدني.. قصة تحدي لمزارع يمني أنقذ قريته من العطش بعد 11 عامًا من الحفر في الصخر عبد الله الحمدني.. قصة تحدي لمزارع يمني أنقذ قريته من العطش بعد 11 عامًا من الحفر في الصخر

أعد القصة لـ“بران برس” - ماجد الطيار:

في أعماق جبال المفلحي بمحافظة لحج  (جنوبي اليمن)، حيث تشح المياه وتغيب أبسط مقومات الحياة، تقع قرية “شيهج”، تلك البقعة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 167 نسمة وفقًا لتعداد 2004. حيث يعيش السكان على أمل جرعة ماء، في ظل غياب الدولة والمشاريع التنموية، ليصبح الماء سلعة ثمينة تُقتنى بالتعب والوقت، في سيناريو يتكرر في مئات القرى اليمنية.

قبل شروق الشمس كل يوم، تبدأ نساء القرية وأطفالها رحلتهم الشاقة، حاملين جرارهم الفارغة عبر الممرات الجبلية الوعرة، ساعين وراء نقطة ماء قد لا تكفي حتى لسد عطش العائلة. "نعود بحمولة تكاد لا تكفي للشرب، فكيف بالطهي أو الغسيل؟" تقول “أم محمد”، إحدى سكان القرية. بينما يصف “جلال القيدعي”، أحد السكان، الوضع لـ“برّان برس” قائلًا: "الماء هنا أغلى من الذهب.. جفاف وقحط وقلة أمطار جعلت معاناتنا لا تُحتمل".  

الحمدني.. وتحدي المستحيل

في خضم هذه المعاناة، حمل عبد الله صالح الحمدني (55 عامًا) حلمًا يبدو جنونيًا: ماذا لو حفرنا الجبل لاستخراج الماء منه؟. بدأت الفكرة كخاطرة في تسعينيات القرن الماضي، لكنها تحولت مع الوقت إلى هاجس. "كلما رأيت النساء والأطفال يعودون منهكين من جلب الماء، أيقنت أن عليّ فعل شيء"، يقول “الحمدني” في حديثه لـ“برّان برس”.  

في عام 2013، قرر “الحمدني” تحويل حلمه إلى واقع. وبأدوات بدائية - إزميل، مطرقة، وفأس - وإرادة لا تعرف الكلل، بدأ ينحت الصخر يومًا بعد يوم، عامًا بعد عام. استمر الحفر 11 سنة كاملة، حتى وصل إلى عمق 70 مترًا رأسيًا، ثم حفر 30 مترًا أفقيًا داخل الجبل.

"كنت أعمل من الفجر إلى المغرب، أحيانًا أنام في الجبل لأواصل العمل فجرًا"، يقول “الحمدني” وهو يستذكر مقتطفات من تفاصيل قصته التي أبرزت عظمة اليمني وتحديه للمستحيل بإرادته الحديدية.

واجه “الحمدني” سخرية الأهل والجيران في البداية. "كان البعض يرى أنني مجنون، لكني كنت أعرف أن الماء هناك، في عمق الصخر"، يقول “الحمدني”، مضيفًا: "كلما واجهت صعوبة، تذكرت معاناة أسرتي وجيراني، وهذا ما منحني القوة للمواصلة".  

نبع حياة.. يُنقذ قرية

اليوم، يشرب أهالي “شيهج” من بئر “الحمدني”، ولم تعد رحلات العطش اليومية ضرورة. "غيّر الماء كل شيء"، تقول فاطمة (12 عامًا) التي تمكنت أخيرًا من الذهاب إلى المدرسة بانتظام بعد أن كانت تقضي نصف يومها في جلب الماء. بينما يؤكد “القيدعي” لـ“برّان رس”: "أطفالنا لم يعودوا يضيعون يومهم في جلب الماء، بل صاروا يذهبون إلى المدرسة.. بئر الحمدني أنقذنا".  
 
نجح “الحمدني” في إنقاذ قريته من العطش، لكن المعاناة لم تنتهِ تمامًا؛ فالبئر بحاجة إلى مضخات حديثة، خزانات تخزين، وشبكة توزيع لتوصيل الماء لكل منزل، وفقًا لـ“الحمدني” الذي أنهى حديثه لـ“برّان رس”بالقول: "نجحنا في الجزء الصعب، لكننا بحاجة لدعم لإنهاء المشروع. لا نريد أن تظل نساؤنا تحملن الماء على رؤوسهن في القرن الحادي والعشرين".  

مبادرات فردية.. ودولة غائبة

تشير الأرقام إلى أن 70% من سكان الريف اليمني لا يحصلون على مياه نظيفة، بينما تُصنف اليمن من بين أكثر الدول المعرضة لخطر الجفاف بسبب التغير المناخي وندرة الأمطار. في ظل غياب الدولة وتداعيات الحرب المستمرة، تتحمل المجتمعات المحلية وحدها عبء تأمين احتياجاتها الأساسية، ومنها المياه، التي أصبحت سلعة نادرة.  

هنا، تبرز قصص مثل قصة عبد الله الحمدني كشريان حياة لمجتمعات تعيش على هامش الخدمات العامة. ففي الوقت الذي تعجز فيه الحكومات والمؤسسات عن توفير أبسط مقومات العيش، تتحول المبادرات الفردية إلى حلول حيوية تمنع انهيار الحياة في هذه المناطق.  

وتعكس تجربة الحمدني نموذجًا للصمود اليمني، حيث لا ينتظر السكان تدخل الدولة، بل يبحثون عن حلولهم بأنفسهم، رغم ضعف الإمكانيات. لكن هذه الجهود تبقى غير كافية دون دعم مؤسسي يُحسن استثمارها، سواء عبر توفير مضخات مياه حديثة أو بناء خزانات وشبكات توزيع.

مواضيع ذات صلة