|    English   |    [email protected]

عائلتا "النواب" و"المهباش".. قصّة إخاء ووفاء "يمنية - سعودية" بدأت فصولها قبل عقود (قصة صحفية)

الأحد 26 يناير 2025 |منذ يوم
عائلتا "النواب" و"المهباش".. قصّة إخاء ووفاء "يمنية - سعودية" بدأت فصولها قبل عقود (قصة صحفية) عائلتا "النواب" و"المهباش".. قصّة إخاء ووفاء "يمنية - سعودية" بدأت فصولها قبل عقود (قصة صحفية)

برّان برس - وحدة التقارير:

في لقاء مؤثّر يفيض شوقًا وامتنانًا وشهامةً، احتضنت مكّة المكرّمة، لقاءً جمع عائلتين يمنية وسعودية بعد فراق دام 17 عاماً، ليعيد إلى الأذهان قصّة وفاء وإخاء بدأت فصولها قبل عقود، مجسّدة أسمى معاني الشهامة والكرم والإنسانية.

“كانت لحظات لا توصف، وستبقى محفورة في الذاكرة”، بهذه الكلمات عبّر المصور الصحفي اليمني سليمان النواب، عن مشاعره وهو يلتقي أبناء وأحفاد السعودي الراحل “حمد بن سليمان المهباش”، الجمعة الماضية.

جرى اللقاء في منزل عائلة المهباش، بمكّة المكرّمة، وأعاد وصل ما انقطع، وأحيا قصّة أخوّة وصداقة تجاوزت حدود الزمان والمكان.

بالنسبة للعائلة السعودية، كان اللقاء أشبه بعودة ابن للعائلة بعد غياب طويل، فقد اجتمع أبناء الراحل “حمد بن سليمان المهباش”، بنجل صديقهم وأخيهم اليمني الراحل ”علي النواب”. فيما استعاد سليمان الإبن، شعور الإخاء والحب الذي غمره طفلًا بمسقط رأسه في مديرية وصاب أقصى جنوب محافظة ذمار باليمن، وسط اليمن.

تعود جذور القصة إلى ستينيات القرن الماضي، عندما غادر علي النواب (والد سليمان)، منطقته وصاب بمحافظة ذمار، وهو طفل يتيم في الـ13 عشر من عمره، باحثاً عن الرزق في المملكة العربية السعودية.

في رحلته المحفوفة بالمخاطر، شاء الله أن يلتقي هذا الفتى برجل سعودي كريم يُدعى “حمد بن سليمان المهباش”، والذي لم يكن مجرّد كفيل، ولم يعامله معاملة الوافد، وإنما كان أبًا حانيًا احتضن اليتيم ورعاه كأحد أبنائه، وأكثر.

يصف “سليمان”، الراحل “حمد المهباش”، بأنه كان “إنساناً عظيماً جداً، فتح أبوابه وقلبه لفتى لا يعرفه، وجعله يعيش بين أبنائه كأخٍ رابع لهم، وأغدق عليه من الحنان والرعاية ما جعله يشعر كأنه في منزله، وبين أسرته".

ويضيف: “أبي تربى بينهم كواحد منهم، ولم يسكن في مكان قريب من عمله أو مع أصحابه كعادة العاملين، بل كان واحداً منهم ولم يكن لهم الا كأخيهم الرابع”.

مرت السنوات، وكبر الفتى اليتيم بين أحضان هذه العائلة الكريمة، وحظي بدفء الأبوة، وحنان الأم، ورعاية الإخوة، وكان يكبر ويشتد عوده محاطاً بالرعاية والمحبة، قبل أن يقرر العودة إلى اليمن ليبدأ حياة جديدة مع أمه وشقيقته.

ورغم عودته إلى وطنه، لم ينقطع ارتباطه بعائلته الثانية، ولم ينس فضل والده الثاني “حمد المهباش”، الذي كان نعم الأب والسند، وحرص على توثيق هذه العلاقة إلى الأبد فسمّى أولاده بأسماء إخوانهم أبناء “حمد المهباش”. 

يقول سليمان عن هذا: “كان والدي- رحمه الله- يدرك معنى أن يُقربك أحدهم لتكون أبناً له، وأراد أن يوثق هذه العلاقة، وأن يجعلها علاقة أهل وأب وإخوة، فسمى أخي محمد على اسم صديقه المقرب محمد بن حمد المهباش، وسماني أنا على اسم العم سليمان بن حمد المهباش، وكان يتمنى أن يرزق بثالث ليسميه عبدالعزيز”. مضيفًا أن هذا كان “تعبيراً وامتناناً من أبي- رحمه الله- لهذه العائلة الكريمة وللوالد المرحوم حمد المهباش”.

في العام 1996 أصيب “النواب” الوالد، بمرض السرطان، وكان أولاده صغاراً، ومكث في المستشفى بصنعاء لخمسة أشهر. وهنا أصر كفيله السعودي “المهباش”، على أن يعود إلى المملكة ليتعالج على حسابه، ونقل بأسرع وقت إلى جدة، وتعالج في أحسن المستشفيات، وشاءت الأقدار أن يموت بعد شهرين من دخوله المملكة لتلقّي العلاج، يقول سليمان.

استمرّت العلاقة الوثيقة بين العائلتين حتى بعد وفاة والد سليمان. فالمهباش الأب، لم يقطع التواصل بعائلة النواب في اليمن، وظل وفيًا “لمن جاءه صبياً، وقرّبه منه، وجعله بمقام أولاده حتى أشتد عوده وصار رجلاً”. 

لم يكن التواصل بالعائلة سهلًا بعد وفاة النواب الأب، لكن “المهباش”، كما يقول سليمان، “كان وفياً وعظيماً أكثر من أي وقت مضى، وكان وكأنه الأب الذي افتقد ابنه”. مضيفًا: بدأ بالتواصل بنا عبر صديق لأبي كان يشتغل معه، وبدأ برعايتنا والوقوف معنا وإحاطتنا بحبه وعطفه وكرمه. 

عن هذا الموقف النبيل الذي جسّده المهباش، يقول سليمان: "لم يكن يريدنا أن نشعر بمرارة اليتم، ولم يتركنا لغدر الأيام، وضيق الحال. أكثر من 13 عاماً بعد وفاة أبي، والوالد حمد المهباش يعطف علينا بكرمه، ويواسينا، ويرسل لنا المصاريف باستمرار، ويسأل عنا، ويتابع أحوالنا باهتمام بالغ”.

وعن ذكرياته من تلك الأيام، يضيف: "لا زلت اتذكر وأنا طفلاً كيف كانت تصلنا رسائله مملوءة بالحب والحنان والدفء. ملابسنا وحلوياتنا كلها تأتينا جديدة وبكميات كبيرة من مكة إلى أقاصي أرياف ذمار".

ولم تتوقف الحكاية، بعد وفاة المهباش الأب، ولم ينقطع التواصل بين العائلتين، بل “بقي على هذا الحال ولده سليمان (المهباش) حتى انقطع التواصل بيننا عام 2005 تقريباً”، وفق النواب الإبن.

عن شهامة ونبل “آل المهباش” عمومًا، يقول سليمان: “نشهد لله أنهم كانوا لنا نعم الأهل والسند، كانوا يطمئنون علينا، ويشعرونا بأننا جزء من العائلة، مهما بعدت المسافات أو مرت السنوات”.

وبعد انقطاع التواصل بين العائلتين لـ17 عاماً، شاء القدر أن يلتقي "سليمان النواب"، مجددًا بأبناء العائلة السعودية الكريمة من آل المهباش، والتي سمع عنها كثيرًا من والده، وتلقى رسائلها الحانية طفلًا ويافعًا عن بعد.

وصف “النواب”، هذا اللقاء الحلم، قائلاً في منشور طويل بحسابه على الفيسبوك: “كانت لحظات استثنائية مليئة بالفرح والدموع”.

وقال تعليقًا على صور جمعته مع أبناء عائلة المهباش: “استضافنا الكريم ابن الكريم العم عبدالعزيز المهباش، والعم سليمان المهباش، وأولاد المرحوم محمد المهباش، فكانت ضيافتهم وحفاوتهم دليلاً على معدنهم الأصيل”.

كان “سليمان النواب”، قد سرد جانبًا من حكايته في أغسطس/آب ٢٠٢٤، حينما نشر الفيلم الهندي “حياة الماعز”، والذي وُصف بأنه “مسيء” للسعودية، بزعم أنها تتجاهل حقوق العاملين لديها، وتعاملهم معاملة غير إنسانية.

وأراد الصحفي النواب، من خلال إفصاحه عن هذه القصّة الخاصة أن يدحض تلك المزاعم، ويثبت عمليًا أن الواقع يعكس صورة مغايرة تمامًا، متحدثًا عن تجربة والده الراحل الذي وجد في المملكة وطنًا ثانيًا، وأهلًا وأباً عطوفاً كفله وأحاطه بالحب والرعاية.

ووصف الشعب السعودي، بأنه “شعب كريم وعزيز ومضياف”. وقال إن هذه القصّة التي عاشها والده، ولمسها كل أفراد أسرته يوجد مثلها “آلاف القصص مع اليمنيين”، مضيفًا أن “خير السعودية وصل لكل بيت في كل أنحاء اليمن”.

اختتم النواب، حكايته قائلًا: إن هذه الأيدي التي امتدت لنا ونحن أطفال، وفي أشد احتياجنا للأب، ولمن يواسينا، ويجبر بخواطرنا لن ننسى لها هذا الجميل حتى نموت”. موضحًا أنه يروي هذه الحكاية للتاريخ؛ ولتفصح عن “أعظم قصة وفاء وكرم وشهامة لأسرة كريمة استقبلت طفلاً وقربته وحفظته في حدقات عيونها”.

حتى لحظة كتابة هذه القصّة، ما يزال النوّاب الإبن، في ضيافة عائلة “المهباش” بمكّة المكرّمة، والتي استقبلته بحفاوة منقطعة النظير، وكأنها تستقبل والده الشاب من جديد، ليجدد ذكريات خالدة لم يخفت بريقها عبر السنين.

وهي قصّة تجسّد عمق الروابط الأخوية، والعلاقات التاريخية بين البلدين والشعبين الشقيقين، وتؤكّد أن العلاقة المتجذّرة بين اليمن والسعودية ليست مجرّد علاقة جوار فقط، بل علاقة دم وأخوّة مبنية على التقدير، والمصير المشترك.

مواضيع ذات صلة