بران برس
تُراوح علاقات الولايات المتحدة مع الكيان الإسرائيلي مكانها من عدم الاستقرار الذي لم يمسّ الجوهر، لكنه بلغ نقطة غير مسبوقة تتعلق بفرض عقوبات على وحدة داخل الجيش الإسرائيلي، تزامنا مع إقرار تمويلات كبيرة لتعزيز نظام الدفاع الصاروخي لتل أبيب.
وتتجه الإدارة الأمريكية نحو فرض عقوبات على كتيبة "نيتساح يهودا"؛ بسبب ارتكاب انتهاكات في الضفة الغربية، في خطوة لا سابق لها أثارت انتقادات واسعة من كبار المسؤولين في إسرائيل.
وتشمل العقوبات الحرمان من برامج التدريب والدعم المالي للكتيبة، لكنّ هذه العقوبات لن تكون مؤثرة بأي شكل على قدرات الجيش الإسرائيلي، الذي لا يزال يحظى عمومًا بدعم أمريكي مطلق، وفق مراقبين.
إجراء غير مسبوق
وبقطع النظر عن أهميتها ودرجة تأثيرها، فإنّ قرار فرض العقوبة بحد ذاته مثّل تحولًا في السياسة الأمريكية تجاه تل أبيب، وفق متابعين؛ فلم يسبق أن لجأت أية إدارة أمريكية إلى هذا الإجراء.
ويمثّل هذا التزامن بين تقديم تمويل سخي وفرض العقوبة نقطة فارقة في تحديد طبيعة الاستراتيجية التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه تل أبيب، وهي استراتيجية قائمة على ثنائية "التمويل والعقاب"، وتحمل قطعًا رسائل إلى الداخل والخارج.
فقد أقرّ مجلس النواب الأمريكي، أمس السبت، حزمة مساعدات بقيمة 17 مليار دولار لإسرائيل، تهدف إلى تعويض النقص في نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي وتوسيعه، وشراء أنظمة أسلحة متطورة.
ويأتي التمويل الجديد بعد شهرين من حزمة مماثلة أقرّتها واشنطن في فبراير الماضي، بقيمة 14,1 مليار دولار.
وجاءت هذه الخطوة أيضًا بعد يومين من استخدام واشنطن حق "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لنقض مشروع قرار يطالب بمنح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، تقدمت به الجزائر.
وأثار "الفيتو" الأمريكي انتقادات فلسطينية وعربية واسعة، فيما لا تزال رحى الحرب في غزة تحصد أرواح العشرات يوميًا، واتهامات لواشنطن بتقديم الدعم اللامشروط لإسرائيل، والكيل بمكيالين في إدارة الصراعات والقضايا الدولية.
وبدا إعلان واشنطن توجهها نحو فرض عقوبات على كتيبة "نيتساح يهودا" وكأنّه خطوة لامتصاص هذا الغضب والرد على هذه الاتهامات، وربما ورقة ضغط من إدارة بايدن التي فشلت حتى الساعة في "ترويض" تل أبيب وإقناعها بالعدول عن خطة اجتياح رفح.
حسابات انتخابية
وقد مثّلت هذه النقطة محور خلافات وتباين شديد في وجهات النظر بين واشنطن وتل أبيب على امتداد أسابيع، خاصة أنّ لدى بايدن حسابات انتخابية تحدد الملامح الكبرى للمقاربة الأمريكية، وترسم خطوط هذه العلاقة التي لم تخرج في جوهرها عن الدعم الكامل لإسرائيل، وإنما تخضع لتقلبات واعتبارات الداخل والخارج.
فالرئيس والمرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة المرتقبة الخريف المقبل مدفوع بتوازنات يتطلع للحفاظ عليها، قبل أشهر قليلة من هذا الاستحقاق، ويرغب في استمالة أصوات المتعاطفين مع الفلسطينيين، من دون الدخول في صِدام حقيقي مع إسرائيل، والالتزام في مختلف الخطابات بالدعم المطلق بوصفه مبدأ عامًا وعنوانًا كبيرًا للسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل.
ووفق مراقبين، فإنّ هناك معطى آخر يتدخل في ضبط سياسة واشنطن تجاه حليفتها، وهو تداعيات المناوشات الأخيرة بين إيران وإسرائيل، وتغيّر قواعد الاشتباك بينهما، والأهداف التي حققتها تل أبيب من هذا التطور الميداني، ونجاحها في تحويل أنظار العالم من الحرب التي تخوضها في غزة إلى إعادة طرح الهاجس الأمني الوجودي الذي يمثل ذخيرة لتل أبيب لاستعادة الدعم الدولي وتعاطف الحلفاء معها.
واعتبارًا لهذا المعطى تحديدًا، فإنّ التوجه إلى فرض عقوبة على كتيبة داخل الجيش الإسرائيلي لن يكون له كبير أثر على الأرض وعلى جوهر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وإنما هو إجراء للتضليل، ومحاولة خلق نوع من التوازن في العلاقة بالتطورات الميدانية في غزة من جهة، وعلى جبهة إيران ووكلائها في المنطقة من جهة ثانية، والعلاقة بالمزاج الانتخابي الأمريكي من جهة ثالثة.